لهذا الترحيب بمبادرة بوش!
لو أن الحالة الفلسطينية هي غير هذه الحالة المزرية، ولو أن خيول العرب تقرع بحوافرها أبواب تل أبيب، لكان واجباً القول للرئيس بوش: «اذهب أنت ومبادرتك إلى الجحيم»، أما وأن الحال هي هذه الحال فإنه لا مجال إلا أن يتعاطى الفلسطينيون والعرب مع هذه المبادرة وبمنتهى الإيجابية.
الشيء الذي لم يره ولم يلحظه كثيرون في دعوة الرئيس الأميركي جورج بوش، الى عقد مؤتمر دولي في الخريف المقبل لإحياء عملية السلام العالقة عند اللحظة التي وصلت إليها منذ سبعة أعوام، هو أن القضية الفلسطينية لم تعد لها الأولوية كما كانت، وأن المستجدات التي طرأت خلال هذه الأعوام، المأزق العراقي المتفاقم والمواجهة مع الإرهاب والملف النووي الإيراني، قد اختطفت منها الاهتمام العالمي وغدت وكأنها قضية ثانوية. إن هذا شكَّل مقتلاً لهذه القضية وهو أمرٌ تنبه إليه بعض العرب، الذين ينظرون الى الوضع الفلسطيني من زاوية استراتيجية، ولذلك جاء إحياء مبادرة السلام العربية في قمة الرياض الأخيرة، ولذلك واصل العاهل الأردني عبدالله الثاني تحذيراته بأن الوقت يمضي بسرعة وأن المشكلة الفلسطينية هي سبب كل هذا الذي تعـانيه هذه المنطقة، وأن حلَّها الحل المقنع سينعكس، إيجابياً، على المأزق العراقي وسيعزز جبهة مواجهة الإرهاب وسيساعد في معالجة الملف النووي الإيراني. ولذلك إذا انعقد هذا المؤتمر، وهو يجب أن ينعقد ويجب أن يبذل العرب الذين يدركون أهمية انعقاده كل الجهود الممكنة كي ينعقد، فإنه سيكرس أولوية القضية الفلسطينية بالنسبة لقضايا المنطقة الملتهبة الأخرى، وسيُخرِجُ الوضع الفلسطيني من الحالة الداخلية المزرية التي تمر بها، وهو سيحسم مجدداً مسألة اعتـراف العالم بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني. إن هذا لم يدركه «المزايدون» المستعدون دائماً لافتعال حرب مع طواحين الهواء، لذلك فقد امتلأت الصحف وشاشات الفضائيات خلال الأيام القليلة الماضية ببيانات الشجب والاستنكار وبهز القبضات الفارغة في الهواء. والمضحك حقاً أن حركة «حماس» اعتبرت هذا التحرك الأميركي، الذي كان ينتظره المخلصون للقضية الفلسطينية من العرب والفلسطينيين على أحّر من الجمر، بمنزلة «حــرب صليبية» ضدها! والواضح أن هدف هذا الوصف هو إرضاء قوى «فسطاط الممانعة»، وهو أيضاً طمأنة أيمن الظواهري بأن حركة المقاومة الإسلامية لاتزال عند حسن ظنه. حتى قبل أن يعرفوا ما تضمنته مبادرة بوش الجديدة، فقد سارع العدميون والمزايدون لدق طبول الشجب والاستنكار وهذا هو ما كان قد حصل على مدى محطات تاريخ القضية الفلسطينية منذ «قرار التقسيم»، الذي بات الآن وبعد أكثر من نصف قرن من الأعوام حلماً بعيد المنال، إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، إلى اتفاقيات أوسلو وكل القرارات والتحركات الدولية السابقة واللاحقة ومن بينها مؤتمر مدريد الشهير. لقد قال بوش في خطابه الذي أعلن فيه هذه المبادرة: «إن واشنطن مستعدة لإدارة مفاوضات جدية نحو بناء الدولة الفلسطينية، وإن هذه المفاوضات يجب أن تضمن دولة ذات حدود متصلة وقابلة للحياة ويجب أن تتعامل مع مسألة القدس ووضع اللاجئين»، وهنا فإنه شيء طبيعي أن يقول الرئيس الأميركي بعد التأكيد على ضرورة إزالة الحواجز الإسرائيلية والتوقف عن توسيع المستوطنات: «.. إن جعل هذا التصور أمراً واقعياً يقتضي من الفلسطينيين القيام بسلسلة خطوات يتقدمها نبذ العنف ومحاربة الإرهاب عبر مصادرة الأسلحة غير القانونية». فماذا في هذا يا ترى حتى يواجهه المزايدون والعدميون بالصراخ والتنديد والقول إنه «حرب صليبية» ضد حركة «حماس»؟! لو أن الحالة الفلسطينية هي غير هذه الحالة المزرية، ولو أن خيول العرب تقرع بحوافرها أبواب تل أبيب، لكان واجباً القول للرئيس بوش: «إذهب أنت ومبادرتك إلى الجحيم»، أما وأن الحال هي هذه الحال فإنه لا مجال إلا أن يتعاطى الفلسطينيون والعرب مع هذه المبادرة وبمنتهى الإيجابية. كاتب وسياسي أردني