لقد تكاثفت وتضامنت منابر الدعوة إلى الإرهاب، ونحن عنها غافلون، واستغل بعض رجال الدين المنابر الدينية والإعلامية لنشر أفكار الإرهاب استغلالاً سيئاً، فنرى هذا الفكر منتشراً في كلام خطباء المساجد، والمدارس، والمناهج، وخطب الدعوة والإرشاد في المخيّمات الكشفية، بينما ظلَّ الفكر الليبرالي الداعي إلى الحداثة والتصالح مع الآخر مقيداً، ومحجوباً.- 1 -
ظاهرة الإرهاب التي برزت بشكل صارخ ومثير بعد كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 أُشبعت درساً وتمحيصاً وتحليلاً في الشرق والغرب على السواء، وربما بلغ ما كُتب فيها من كُتب وأبحاث، وما عُقد من أجلها من ندوات، أكثر مما كُتب في موضوع الحرب العالمية الأولى، أو الحرب العالمية الثانية، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على مدى قسوة هذا الحدث ووحشيته، وتأثيره على التاريخ البشري المعاصر، وعلاقة الشرق بالغرب التي تحولت من مسارها الإيجابي الإنتاجي إلى مسارها السلبي التدميري، كما لم تتحوّل بين الشرق والغرب الحربان العالميتان الأولى والثانية في ذلك الوقت.
- 2 -
ورغم أن أبحاث وتحليلات كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 قد انصبّت في بيان أسباب الإرهاب على النواحي الاقتصادية كالفقر والبطالة، وعلى النواحي السياسية كانتشار أنظمة الحكم الدكتاتورية وغياب التطبيقات الديموقراطية، وعلى الأسباب الثقافية كانتشار مناهج التعليم الديني المتشدّد التي تحضُّ على كراهية الآخر وعداء الآخر ومحاربة الآخر، فإن هذه الأبحاث لم تُركِّز على خطورة دور الحاضنات الدافئة والمُفقِّسة للإرهاب في كل يوم، والتي تتخذ من دور العبادة مكاناً لها، وتستمدّ من بعض رجال الدين وخطبهم ومواعظهم النارية المتشنجة الحرارة اللازمة لتفقيس بيض الإرهاب في الحاضنات الدافئة.
- 3 -
لقد أثار هذه الظاهرة كُتّاب ليبراليون كُثر في منطقة الخليج لاسيما، تلك التي تكتوي هي والعراق بنار الإرهاب وشروره أكثر من أي منطقة أخرى في العالم العربي، ولكن هذه الظاهرة أُثيرت بحياء شديد وتردد ملحوظ، لكي لا يُسيء هؤلاء الكتّاب إلى رجال الدين، ولكي لا يصطدموا مع الدوائر الرسمية التي كانت تثق برجال الدين في النصح والإرشاد، كوسيلة من وسائل إعادة الضالين إلى الرشد، وإعادة المُغرر بهم إلى جادة الصواب. ولكن الأحداث الأخيرة أثبتت أن الكثير من رجال الدين كانوا عاملاً مساعداً في تفريخ المزيد من عناصر الإرهاب التي انتشرت في الخليج، وفي العراق، وفي أفغانستان، وباكستان، والمغرب العربي، وقد جاء هذا الإثبات هذه المرة، على لسان مسؤول كبير في الدولة السعودية كالأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، الذي صرّح لجريدة «عكاظ» السعودية (2/12/2007) بأن «هناك خطباء مفسدين، رغم الجهود الأمنية لمواجهة الفكر الضال المتطرف، وأن هناك بعض خطباء المنابر في مساجد المملكة يطالبون ويحرِّضون الشباب على السفر إلى العراق والمناطق المضطربة، بزعم الجهاد، ومناصرة إخوانهم المسلمين». وأعرب الأمير نايف عن خيبة أمله من نتائج اللقاء المفتوح الذي عقده في الرياض مع الأئمة والخطباء والدعاة قبل عدة أشهر، وأن نتائج هذا اللقاء لم تكن بالمستوى الذي تمناه، وجاء هذا التصريح الذي ينمُّ عن خيبة أمل رسمية في جهود الكثير من رجال الدين في مكافحة الإرهاب، عقب اعتقال 208 من الإرهابيين داخل السعودية، كانوا ينوون نسف منشآت حيوية، واغتيال بعض رجال الدين الذين كشفوا دينياً زيف دعوة «الجهاد»، التي يدّعيها الذراع الديني الشرعي للمجموعات الإرهابية.
- 4 -
والملفت للنظر في هذه الأيام، الأعداد المتزيدة من الشباب السعودي المنخرط في صفوف الإرهاب سواء في السعودية، أو في العراق، وأفغانستان. وتقول صحيفة «عكاظ» السعودية (21/7/2007)، «إن هناك مئة وأربعين سعودياً في السجون السورية والأردنية واللبنانية». وفي خبر آخر، «إن هناك أكثر من مئتين وثمانين سعودياً في صفوف مقاتلي حركة طالبان في أفغانستان» («الوطن» السعودية، 16/11/2007). وقد لعبت المواقع الدينية المتشددة على الإنترنت إضافة إلى خُطب الدعاة في المساجد، وأشرطة الكاسيت، وأحاديث المخيمات الكشفية، وغيرها من وسائل نشر الفكر الإرهابي، دوراً كبيراً في نشر فكر الإرهاب كما تؤكد عدة مصادر سعودية، من دون أن يصير إلى حجب هذه المواقع، كما تمَّ ويتمّ حجب المواقع الإلكترونية الليبرالية، التي تبشّر بالحداثة والانفتاح على الآخر. فقد قالت صحيفة «الوطن» السعودية (19/11/2007) إن «حجم التأثير الإلكتروني من خلال شبكة الإنترنت، الذي يهدف إلى نشر الفكر المتطرف، وصل إلى مليوني موقع، تتحدّث بلغات عالمية مثل الإنكليزية والفرنسية، إضافة إلى لغة البشتون الأفغانية. وإن أكثر من 4500 موقع آخر تتحدّث باللغة العربية، وهي موجهة إلى الشباب العربي، ويتمُّ فيها الترويج لفكر الإرهاب من خلال الفتاوى المضللة». ويقول الكاتب والأكاديمي السعودي حمزة قبلان المزيني: «إن تزايد أعداد الشباب السعوديين المنخرطين في تيارات العنف، يمثل دليلاً واضحاً على وجود ثقافة محلية مُنتجة لأفكار العنف، وهو ما يُسهّل العمل على الذين يجندون هؤلاء الشباب، وإن أهم المحركات لخروج هؤلاء الشباب هو الدعوة لـ«الجهاد». («الوطن» السعودية، 6/12/2007).
- 5 -
لقد تكاثفت وتضامنت منابر الدعوة إلى الإرهاب، ونحن عنها غافلون، واستغلَّ بعض رجال الدين المنابر الدينية والإعلامية لنشر أفكار الإرهاب استغلالاً سيئاً، فنرى هذا الفكر منتشراً في كلام خطباء المساجد، والمدارس، والمناهج، وخطب الدعوة والإرشاد في المخيمات الكشفية، وفي البرامج التلفزيونية الحوارية في قنوات مشهورة ومعروفة، تخصصت في نشر فكر الإرهاب باسم الدين، بينما ظلَّ الفكر الليبرالي الداعي إلى الحداثة والتصالح مع الآخر مقيداً، ومحجوباً، بل محارباً حتى الآن، من دون أن ندرك خطورة ما نفعل به.
* كاتب أردني