هل هو النزق أم الدلال؟

نشر في 17-09-2007
آخر تحديث 17-09-2007 | 00:00
 نادية علي الشراح

لدينا الآن شركات لا تدفع ضرائب وليست في الأصل من تلك التي توفر فرص العمل، وقد مُنح بعضها امتيازات في الحق الاحتكاري وخُصصت لها الأراضي المكلفة جداً، ومع ذلك كلما شعرت بأن أحداً منع عنها امتيازاً، وأحيانا انطلاقاً من موقف سياسي بحت، فإنها تهدد بالرحيل وفتح مراكز لها في الخارج.

«أضحى التنائي بديلاً من تدانينا

وناب عن طيب لقيانا تجافينا»...

ابن زيدون

تتعرض كبرى الشركات العالمية لمواقف وحكايات لا نعرفها في الكويت، حين تخالف تلك الشركات الأنظمة والقوانين، وتعاقب بإجبارها على دفع غرامات مالية باهظة، من دون شفاعة لسمعتها المهنية، ولا اعتبار لحجمها أو أدائها المتميز في اقتصادات تلك الدول، وأشهر تلك الحكايات عندما قررت السلطات القضائية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مجتمعين معاقبة شركة «مايكروسوفت» العملاقة المملوكة للملياردير بيل غيتس، وهي الشركة الدافعة للضرائب والمؤثرة في اقتصادات دولها، لمخالفتها قوانين براءة الاختراع والمنافسة، وانتهاج سياسة تسويقية غير قانونية، واستغلال هيمنتها على السوق واختراق القوانين المتعلقة بنظم تشغيل أجهزة الكمبيوتر، انتهت بتسوية قضائية تجاوزت كلفتها 3 مليارات دولار أميركي، سددها طواعية، ومع ذلك لم نسمع بتهديد ووعيد بيل غيتس بالهجرة خارج اقتصادات تلك الدول.

في الكويت هناك حقبتان من الزمن، الأولى عندما كانت الشركات أفرادا، هم من يخلقون الوظائف وهم من يمولون المالية العامة، ولأن الكويت - في تلك الحقبة - بلد غير ديموقراطي، فالاحتكاكات كانت تحدث بين هؤلاء التجار والسلطة عندما يشعرون بأن هذه الموارد الشحيحة في الأصل، يتم تبديدها من قبل الحاكم، فتكون ردة الفعل الاحتجاج بالكلام، ثم بالرسالة، مروراً بالاجتماع، لينتهي بآخر الكي وهو الهجرة. وفي العادة تتم تسوية بين الحاكم ومن ينوي الهجرة أو من هاجر بالفعل لأن الأثر الاقتصادي السلبي الناتج عن تلك الهجرة كبير.

الآن لدينا شركات لا تدفع ضرائب وليست في الأصل من تلك التي توفر فرص العمل، وقد مُنح بعضها امتيازات في الحق الاحتكاري وخُصصت لها الأراضي المكلفة جداً، ومع ذلك كلما شعرت بأن أحداً منع عنها امتيازاً، وأحيانا انطلاقاً من موقف سياسي بحت، فإنها تهدد بالرحيل وفتح مراكز لها في الخارج بعد أن تكون قد صنعت ثروة حقيقية من خير البلد.

بالطبع لن نبخس تلك الشركات حقها في الإشادة بتميز مستوى الخدمة عندما تحول بعضها إلى القطاع الخاص، والتقدير المادي الذي تحظى به العمالة الوطنية العاملة لدى بعضها الآخر، ولكنها سابقة ليس لها مثيل في تاريخ الكويت، وهو نوع من النزق والدلال إذا قورن بما يحدث في العالم، وعلى أي حال هيبة الدولة تتطلب عقاب هذه الحالات، بسحب الامتيازات على أقل تقدير إذا لم يكن بفرض ضرائب دخل عليها.

back to top