نصّ الشاعر الفراعنة بين إخفاقات اللجنة وذكاء الشاعر!!

نشر في 25-01-2008 | 00:00
آخر تحديث 25-01-2008 | 00:00
No Image Caption
 عبدالعزيز الرميحي في القصيدة الرائعة التي ألقاها الشاعر ناصر الفراعنة في الحلقة المباشرة من «شاعر المليون»، كان النص علامة فارقة في تاريخ الشعر النبطي المنبري، فاق ما تعودنا عليه من كثير من الشعراء الكبار، وهو نص لعبه الشاعر بذكاء يدل على مقدرته الفائقة وتمكّنه من قراءة الأجواء المحيطة به، ورغبات المتلقي من حوله، هذا الذكاء الذي استطاع من خلاله تمرير بعض النقاط الفنية على لجنة «شاعر المليون»!!

ناقتي يا ناقتي لا رباع ولا سديس

وصليني لابتي من وراء هاك الطعوس

ناقتي يا ناقتي!! الخطاب موجه لناقته/ يــا... وهنا الخطاب بصيغة التمني// ليت ناقتي التي اراها أو هي القصيدة، لا رباع ولا سديس، يتحدث عن السنّ هنا صيغة تمنّي، برغم ان الشاعر ارادها وصفاً للناقة، او هو وصف لما يتمناه لها و(لا) تؤكد أنه مازال يختار نوع الناقة، هنا الشاعر يقرر ان الناقة ليست إلا خيالاً في قصيدته، وعندها تكون القصيدة خيال طاغي/ جامح، لكن المتلقي يذهب الى أن الشاعر يصف ناقته الحاضرة، فكانت الياء مربكة!! وكان عليه إكمال الوصف.

ولو قلنا ان الشاعر يصف ناقته، فهو يوجه الخطاب لمتلق يقول له ان ناقتي تبلغ اربع سنوات، وهي التي آن الآوان لركوبها، ولو كان الخطاب موجهاً للمتلقي مباشرة، فلا داعي للزج بالياء وذكر البيت من دونها، مع جبره بالنفس وهو ما حصل في بعض ابياته لاحقاً.

إذن، هو يتكلم عن خيال يجنح به الى ركوب تلك الناقة، أو القصيدة التي توصله الى مبتغاه، وقلت القصيدة

لأنه ذكرها ناقة انثى!! ومبتغاه قد يكون البيرق...

حايل رابع سنه من خيار العيس عيس

خفها لا درهمت كنه بالنار محسوس

(كنه) مفردة تُقرأ بطريقه الخطف/ ومفردة بالنار (محسوس) قصد بها الحراره التي حدثت للخف من جراء العدو، ولا ادري هل اراد بـ/ محسوس أنه مدخل بالنار، وهي الأبعد أو محسوس بالملامسة للنار، وهي الأقرب وليست الأكمل!!

وجملة (من خيار العيس عيس) في العجز، تدل على جمع مع أن الكلام عن مفرد، وهذا الشطر مرر صوتياً بذكاء من الشاعر!!

في دجى خالي خلا لا حسيس ولا نسيس

تدوخك من شدة البرد طقطقة الضروس

والبديهي أن الشتاء والبرد لا يخلوان من صوت ريح تتواكب وشدة البرد!!

وفي البيت الذي يليه علامة تعجّب كبيرة تطرح استفهامات فنية

في عيوني يكفخ الطير ويطيح الفريس

وانتهض جساس من دون خالته البسوس

ولمح الطير في فضاء خالي لا ريح ولا صوت هو تشعّب درامي للحوار داخل النص، وفصل لسياقاته المنطقية، الا اذا قصد به التفكّر والتخيّل!!

في البيت السادس، يتضح بجلاء العيب الفني الأساس داخل القصيدة

ديرتي دار ابن ضاري وابن غلتم جريس

ديرة اللي دوجوا في فيافي نجد جوس

في الصدر من ابياته، التزم النص بياء خفيفه (سديس/ فريس/ نسيس/ ضريس ) يييييس!!

لكنه في البيت اعلاه تغير الجرس الى ياء ثقيلة بالفتح (جريس)، وهذا حدث في مفردة (هيس) و (السويس)!! في الأبيات التي تلت...

وعيشتي ما بين أسود ولو ماني رئيس

خير من كوني رئيس على شلقه تيوس

أرى أن صدر هذا البيت قمة في الحبك والتعبير، وهو ما لم يكن في شطره الثاني الذي اعتمد على جلب المفردة المباشرة، وهي جمل تهكّمية تعشقها الدهماء، تشعرك باللا شعر واللا هجاء!!

في البيت الثاني عشر

أتقوس مع تقوس نواهدها واقيس

قبتين ٍقاب قوسين قوس جنب قوس

أروع ما كتب في التشبيه، وهذا التشبيه الفاضح في مفرداته التي أتت في سياق المدح والوصف لأرض نجد والجزيرة، وهو الذي لم يتكلم عن المرأة كامرأة، ربما قصد الشاعر النهدين (قباب مكة والمدينة)، والدلالة التعبيرية أحد أوجهها يعبر أن الصدر هو مكان القلب، وبعد ذلك القباب وما تشير اليه.

إلا أن اقحام (النهدين) وما ترمز له خلاف (الثديين) الأكمل للمعنى والرمز، مع التسليم بعدم جواز الأخيرة في الشطر، فذلك تشبيه لا يمتدح بل يسيء!!

والقصيده تقليدية الطرح تميّزت بذكاء الشاعر الذي تجلى بالآتي:

- البدء بالشيلة التي ينجذب إليها الجمهور!!

- التوقيت الذي اختير لدور الشاعر!!

- الحضور المسرحي للشاعر، الذي كان حماسياً وتفاعلياً!!

- تعمد الشاعر كتابة جمل ومفردات تشبه الطلاسم، في وسط القصيدة التي جعلت بعض أعضاء اللجنه، وكأنه (بين غيبوبة مخدر وصحوة عرق سوس)!!

وهذا الطرق من الإتيان بمفردات مثل (دختنوس/ عيطموس/ جوس/ قيس قيس قيس .. وغيرها)

هو جمال ظاهر في النْص.

هذه الوقفة مع الشاعر المبدع ناصر الفراعنة، هي وجهة نظر ومحاولة للفت النّظر إلى جزئيات بسيطة، قد تفيد في اثراء حوار بشان الشعر والتفاصيل فيه.

back to top