Ad

انتهى الديموقراطيون من وضع اللمسات الأخيرة على ملف طويل عريض يحتوي، بصورة مفصلة ودقيقة، على الخروقات الدستورية التي ارتكبتها إدارة الرئيس بوش منذ غزو العراق إلى الآن، ويقولون إن واحدة من هذه الخروقات كافية لتقديم الرئيس بوش إلى المحاكمة.

يقول الفرنسيون «كل شيء جائز في الحب». أخذ الأميركيون هذا المثل وحوروه ليتلاءم مع طبعهم وطبائعهم فأصبح «كل الأسلحة يجوز استخدامها في الحرب وفي... الحب».

والحرب لا تعني التدمير والقتل والقنابل النووية فقط، بل تعني أيضاً الحروب السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية. والعاصمة الأميركية تعيش اليوم في أتون هذا النوع من الحروب السياسية بين الديموقراطيين والجمهوريين. وقد رُفع، حتى كتابة هذه الأسطر، شعاران؛ أولهما: لا تأخذوا سجناء TAKE NO PRISONERS.

وثانيهما: قطع الأعناق CUT THROAT POLICY، وانطلاقاً من ذلك فإن المعلومات المتسربة من أروقة الحزبين الأميركيين تشير إلى الاستعداد الكامل لخوض الحرب حتى العظم.

فالديموقراطيون انتهوا من وضع اللمسات الأخيرة على ملف طويل عريض يحتوي، بالتفصيل الدقيق، على الخروقات الدستورية التي أقدمت عليها إدارة الرئيس بوش منذ غزو العراق إلى الآن. ويقولون إن واحدة من هذه الخروقات كافية لتقديم الرئيس بوش إلى المحاكمة، وكفيلة بإنهاء ما تبقى من شهور ولايته في البيت الأبيض.

لكن الديموقراطيين ليسوا متعجلين لأسباب عديدة منها؛ أنهم إذا فعلوا ذلك الآن فإن نائبه ديك تشيني سيحلّ محله. ولأن تشيني معرض للمحاكمة أكثر من رئيسه، حسب الأدلة الموجودة في الملف الديموقراطي، فإن الرجلين قد يتركان البيت الأبيض سوية، مما يخلق حالة فراغ في السلطة، شبيهة إلى حدّ كبير، بحالة الفراغ اللبنانية.

يقولون أيضاً إن الديموقراطيين لا يريدون محاكمة على طريقة نيكسون في فضيحة «ووترغيت» الشهيرة التي أدت إلى استقالته نتيجة صفقة مضمونها الا يقدم الى المحكمة الفدرالية الجزائية، بل يرغبون في أن يروا بوش وتشيني وآخرين من أركان الإدارة داخل قضبان العدالة الأميركية. هذا لا يمكن الحصول عليه في محكمة الكونغرس، لأنه من صلاحيات المحاكم الجنائية العادية. لذلك، فإن خطة الحزب الديموقراطي هي في تقديم ملف الاتهام الضخم إلى المراجع القضائية المختصة، بعد انتهاء ولاية بوش، وخروجه من البيت الابيض في الشهر الأول من عام 2009.

وهذا التدبير يدخل ضمن شعار «قطع الأعناق» المذكور في بداية هذا الكلام، الذي قرر الديموقراطيون اعتماده، والسير به إلى نهاية الشوط. ومن الآن إلى حين انتهاء الولاية، فإن الحزب الديموقراطي مستمر في جمع الأدلة والوثائق لتغذية ملفهم الضخم هذا.

المليارات الضائعة

ويقولون أيضاً إن إدخال البلاد في حرب بُنيت على أساس تقديرات خاطئة لا يشكل جريمة تؤدي الغرض المطلوب في قطع الأعناق، لأنه يمكن اعتبارها، من الناحية القانونية، جريمة ناتجة عن عدم الكفاءة في تحمل المسؤوليات، أو الاستهتار غير المتعمد بالأصول الدستورية والقانونية، وأيضاً يمكن اعتبارها جريمة سياسية يُحاكم صاحبها ويُحكم عليه للتاريخ فقط. والتاريخ هو مقبرة الجرائم السياسية كما علمنا التاريخ نفسه.

تهيئة الأجواء لتقديم بوش مع بعض أركان إدارته، السابقين والحاليين، بدأت كما يجب أن تبدأ على الطريقة الأميركية. فأجهزة الإعلام على اختلافها مليئة، هذه الأيام، بتفاصيل الخروقات القانونية. واللافت أن مجلة فانيتي فير (VANITY FAIR)، المعروفة بحيادها النسبي في شؤون السياسة الداخلية، والواسعة الانتشار والنفوذ بين صفوف الطبقة الوسطى والثرية في الولايات المتحدة، قد افتتحت المعركة. ففي عددها الشهري الأخير، نشرت تحقيقاً مطولاً، مسنداً بالأرقام والوثائق عن ضياع عشرات المليارات من الدولارات منذ بدء غزو العراق إلى الآن. وتعميما للفائدة بالنسبة للقارئ العربي، نقتطف الفقرات التالية:

• بين شهر أبريل 2003 ويونيو 2004، شحنت الإدارة الأميركية 12 مليار دولار نقداً إلى بغداد بناء على طلب سلطة الائتلاف الموقتة (C.P.A) التي أنشأها وترأسها بول بريمر الثالث. هناك تسعة مليارات دولار مازالت مفقودة، ولا ذكر لها في الدفاتر الرسمية. وعندما سُئل بريمر، من قبل بعض مدققي الحسابات الأميركيين: أين ذهبت هذه الأموال الطائلة من ضرائب المواطن الأميركي، كان جوابه ببساطة: لا أعرف.

• بالرغم من أن بريمر كان دبلوماسياً محترفاً تابعاً لبلاط وزارة الخارجية، فإن البنتاغون اقترحه لترؤس الادارة الأميركية في العراق بعد موافقة بوش، وكان رامسفيلد وقتها حاكما سعيدا في إدارة التفاصيل الدقيقة في شؤون حرب العراق.

جنون البنكنوت

• المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة منذ انشائها، تأمر الإدارة بشحن كمية كبيرة من النقد المطبوع من أوراق البنكنوت فئة المئة دولار، خارج الأراضي الأميركية. الشحنة الأولى بلغت مليارين و400 مليون دولار.

• تحدثت المجلة الاميركية ببعض السخرية عن كيفية التصرف بهذه الأموال فقالت إن الأيدي التي تلقفت هذه الأموال، كانت تلعب بها كما يلعب الصغار بأوراق النقد غير الصحيحة. كانوا يتصلون بالأسماء التي خصصت لهم بعض هذه الأموال: تعالوا اقبضوا نقداً (200) مليون أو (400) مليون، ولا تنسوا أن تجلبوا معكم أكياسا كبيرة لنقلها. حتى أن أحد المسؤولين عن الدفع أصيب بهستيريا الضحك، وهو يرى أمامه على الطاولة أكياس أوراق المئة دولار وراح يقول: هذا منتهى الجنون، لم أر في حياتي كمية من النقد مثل هذه الكمية.

• في السنة التالية لتسلم بريمر وظيفته في العراق، وافق الكونغرس على منحه مليارا و600 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، بالإضافة إلى الـ 12 مليارا التي استلمها في السنة الأولى (وهي من أموال النظام العراقي السابق المجمّدة). وقد تمّ صرف هذه الأموال خارج الدائرة المتعارف عليها في القوانين الأميركية المالية.

• إن نظام المحاسبة كان غائباً في صرف هذه الأموال، مما أسّس «نظاما» جديدا يعتمد على التلاعب والتزوير، اشترك به عدد من المدنيين وضباط الجيش. ويجري التحقيق الآن بدقة لمعرفة التفاصيل لتحديد المسؤوليات. وتروي المجلة قصة نقلتها عن جريدة الغارديان الإنكليزية في حينه فتقول إن موظفا عراقيا مسؤولا عن أحد مستشفيات بغداد خُصص له مبلغ مليون دولار لشراء مستلزمات طبية. عندما حضر الموظف لتسلم المبلغ المحدد، قال له المسؤول العسكري الأميركي ان المبلغ قد ارتفع وعليه أن يوقع على تسلم مليونين، لكنه لن يقبض إلا مليونا واحدا. وعندما سأل لماذا؟ قال له الضابط: المليون الآخر هو نفقات تقاعدي الشخصية. «آلان غريسون»، وهو محام أميركي يعيش في واشنطن، ما زال يتولى ملاحقة المخالفات المالية، قال لمجلة فانيتي فير: منذ السنة الأولى لإنشاء سلطة الائتلاف المؤقتة (بإشراف بريمر طبعاً) تحوّل العراق الى منطقة حرّة... للتزوير.

• إن البنك المركزي الفيدرالي في نيويورك شحن للعراق 21 شحنة أموال نقدية (CASH) من فئة المئة دولار بلغ المجموع 11 ملياراً و981 مليوناً و531 ألف دولار. كذلك بلغ وزن هذه الشحنات 363 طنا.

• الشيكات الشهرية كرواتب للحراس المعينين للمنطقة الخضراء وغيرها بلغت 8206 شيكات بعدد الحراس المستفيدين. وتبين للجنة تحقيق أميركية أنه لم يتمّ العثور إلا على 602 حارس حقيقي فقط. أما البقية ويبلغ عددهم 7604، فكانوا أسماء لأشخاص وهميين.

• أخيرا وليس آخرا، فإن شركة هاليبورتون التي كان يترأسها نائب الرئيس ديك تشيني تعاقدت مع وزارة الدفاع على تقديم 42 ألف وجبة طعام للجنود يوميا. تبين فيما بعد أن الشركة لم تكن تقدم أكثر من 14 ألف وجبة يوميا. كذلك طلبت إدارة بريمر نصف مليار دولار وشرحت في طلبها أن المبلغ مخصص «للشؤون الامنية». وعندما طلب مزيدا من الشرح ردت: سنقوم بذلك في ما بعد. وقد تمّ صرف المبلغ.

* كاتب لبناني