بمفهوم «التصنيف» الصحفي، هناك كتّاب من «الوزن الثقيل» يؤثرون في المتلقي ولديهم القدرة على توجيه الرأي العام، وآخرون كتاباتهم مجرد حشو كلام لسد فراغ في صفحة مقالات هذه الصحيفة أو تلك. من هذا المنطلق، وبعيداً عن الاتفاق أو الاختلاف معه فيما يطرح، أجزم بأن محمد الوشيحي ينطبق عليه التصنيف الأول، لذا فإن حملة التشهير و«النقد الجارح» التي يتعرض لها من أبناء قبيلته وأبناء المناطق الخارجية هذه الأيام، في المنتديات وبعض المقالات الصحفية، جاءت على قدر ما يتمتع به الرجل من شهرة بعد أن أصبح شخصية عامة تُمدح، وتُنتقد.

Ad

شرارة الحملة على الوشيحي انطلقت بعد حلقة برنامجه في تلفزيون «الراي» التي تحدث فيها عن الفرعيات، وتطرق فيها إلى قبيلته «العجمان»، هنا قد يكون الوشيحي أخطأ في نظر بعضهم، وقد يكون أصاب لدى بعضهم الآخر، لكن المؤكد أنه حينها كان يمارس دوره كمحاور محايد، لديه معلومات تتعلق بموضوع الحلقة لابد من ذكرها، وهو ما كان غائباً عن أذهان الكثيرين.

بعد الحلقة بدأت حملة «محاكمة الوشيحي»، اتهم بأنه تبرأ من أصله، وأنه انسلخ عن واقعه الاجتماعي، وأنه باع القبيلة و«البداوة» في سوق الجمعة بأبخس الأثمان، قبل أن يجلب نفسه «بدينار» للتيار الليبرالي... هذه بعض الاتهامات التي وجهت للوشيحي من أبناء جلدته، وهي اتهامات قد تكون مقبولة لو أن مجموعة من وجهاء القبيلة قد توسطوا لدى السيد «جاسم بودي» كي يعينه كاتباً في صحيفته، أو أن بعض أفراد القبيلة دعموا الوشيحي «مادياً» أو أجروا انتخابات فرعية وزكوه ليصبح إعلامياً دونا عن غيره، أما وأن الرجل قد استغل موهبته وذكاءه الفطري ليصل إلى ما وصل إليه، فإن الفضل في ذلك ينُسب له لا لغيره.

لقد تناسى مَن كال التهم للرجل، سواء من قبيلته أو من أبناء القبائل بوجه عام، دفاعه عن شريحة «البدو» في أحدى حلقات برنامج «الديوانية» الذي كان يقدمه الدكتور شفيق الغبرا، لقد غفل كثيرون في ظل حملة «الشحن» ما كانت زاويته في إحدى الصحف الزميلة تتضمنه من دفاع شبه يومي عن أبناء القبائل، لدرجة أنني لمته في أحد مقالاتي هنا من ذلك التوجه، وهو الذي قال يوماً ما، إن هيئة الاستثمار محرمة على أبناء المناطق الخارجية، فهل من المعقول أن يأتي الآن أحد ليقول إن الوشيحي كفر بالقبيلة، نعم إذا كانت القبيلة هنا بمفهومها السياسي، فأنا وليس هو أول من يكفر بها.

المؤلم والمؤسف، بل المضحك، في الأمر أن رأس الحربة في الهجوم على الوشيحي لسلخه وطرده عن القبيلة بدعوى تمرده عليها لمصلحة ليبراليته، قاده كتاب إسلاميون، نقول لهم إن الله سبحانه يقول: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، فيرد بعضهم: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا.

نصرخ في وجوههم بقول المصطفى «دعوها فإنها منتنة»... فيقولون: «لنا الصدر بين العالمين أو القبر...» نتوسل إليهم بأن يُعملوا عقولهم لا عواطفهم، فتجدهم ينشدون بصوت واحد:

وهل أنا إلا من غزية إن غوت

غويت وإن ترشد غزية أرشد

ياسادة يا إسلاميون، من وصل إلى مجلس الأمة على ظهر القبيلة عبر الفرعيات وتنكر لها ولمبادئها هم أصحابكم، أليس منهم صاحبكم «العنزي» الذي صوّت مع حقوق المرأة السياسية، وصاحبكم «العجمي» الذي خالف رغبة القبيلة وصوّت مع عادل الصبيح، والعجمي الآخر الذي قال: «أنا ابن حدس والجهراء وليس القبيلة»، وأصحابكم الآخرون الذين امتطوا ظهر القبيلة عبر الفرعي، ووصلوا إلى مجلس الأمه، ثم تنكروا لها، وها هم يخوضون الانتخابات لمصلحة أحزابهم وتياراتهم.

نعم لم يستغل «العازمي» الليبرالي عبدالمحسن المدعج مثلاً، القبيلة ثم تنكر لها، ولم يدخل سعد بن طفلة فرعي العجمان رغم أنه كان قاب قوسين أو أدنى من النجاح لو فعل ذلك، لكنها قضية قناعة ومبادئ أول مَن يتخلى عنها هم الإسلاميون قبل غيرهم.

ما لا يعرفه كثيرون من إسلاميي «قبيلتي» أن الوشيحي- الليبرالي الذي قالوا إنه باع القبيلة- كان له الفضل يوماً ما في إعادة أحد مرشحي القبيلة إلى كرسي مجلس الأمة، حدث ذلك عندما كان ملازماً أول، حينها ضحّى بكل شيء من أجل مهمة خاصة لمصلحة القبيلة نجح فيها، لكنه تعرض لمحاكمة عسكرية كادت أن «تطير» نجومه، واسألوا خالد العدوة- وأنا مسؤول عن كلامي هذا- فاصمتوا ولا تمارسوا المثالية على حسابنا.

نعم، لقد بُحّت أصواتنا ونحن نقول، لا أحد يزايد على انتمائنا الاجتماعي، فنحن نفخر بالقبيلة ممارسة لا شعاراً، كما عند بعضهم، لكنه انتماء واعتزاز لم ولن يُقدّم على مصلحة الوطن، سواء لمصلحة حزب أو تيار أو غيره. فنحن لسنا دعاة تفاخر أجوف نراه يتجسد من فترة لأخرى بين كاتب «بدوي» يتباهى بما فعله أبناء جلدته للكويت، فيرد عليه آخر «حضري» بالأسلوب والمنوال نفســيهما، وبقدر المنة والفضل، وكأن الكويـــت «مـــــسنةٌ» تقف أمام مسجد ليجود عليها أبناؤها... تباً لها من ثقافة وتباً له من فكر.