Ad

أثارت العديد من الدعوات في الغرب بما فيها بيان المثقفين الأميركيين إثر أحداث سبتمبر، بعض التداعيات إزاء عملية تنميط الإسلام أو «نمذجة» الإرهاب وربطه بالإسلام، لدرجة أن المفكر إدوارد سعيد، أشار بوضوح أقرب إلى الاتهام، إلى محاولة بعض هؤلاء إبقاء «خطر الإسلام والتنديد به وإلصاقه بممارسات العنف والاستبداد والإرهاب».

بعد احتجاب دام ثلاث سنوات، فاجأ أسامة بن لادن العالم كله بظهوره في شريط تلفزيوني مسجل عشية الذكرى السادسة لأحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وفي دعوته الولايات المتحدة إلى الانضواء تحت راية الاسلام، ولعله بذلك أعاد السؤال الكبير الذي ظل يتردد بصوت عال أو خافت أحياناً لدينا ولدى الغرب: هل ثمة مواجهة أو مجابهة بين الغرب والإسلام؟

ورغم المأساة التي حصلت في الولايات المتحدة من جراء الفعل الإرهابي اللا إنساني، فإن المتضرر، لم يكن الولايات المتحدة وحدها، بل إن الإسلام والمسلمين كانوا المتضررين الأساسيين، خصوصاً لجهة محاولات محمومة لإلصاق التهمة بهم، باعتبارهم «مسؤولين» وأن بيئتهم الدينية والثقافية تحضهم على العنف والإرهاب، إضافة إلى نظم التربية والتعليم وبخاصة الدينية، التي تشكل بؤرة خصبة لإنتاج الإرهاب وتعميمه لإلغاء الآخر أو استئصاله.

هذه الصيغة هي نفسها التي وردت على لسان أسامة بن لادن الذي سبق له أن قسّم العالم إلى فسطاطين، مثلما قسّمه الرئيس جورج دبليو بوش الى معسكرين، أحدهما معسكر الشر والظلام، أما الآخر فهو معسكر الخير والنور. ولعل ذلك هو الذي دفعه إلى إطلاق صفة «الفاشية الإسلامية» مثلما كان قد ردّد مصطلح «الحرب الصليبية» بعد 11 سبتمبر فليس الامر زلّة لسان، كما قيل وقتها.

ولم تعد، حتى بعض الدول الصديقة للولايات المتحدة، سوى بؤرة مشجعة على نمو الإرهاب وتفريخه وتصديره، وما عليها سوى التعاون الأمني واللوجستي وتغيير مناهجها الدراسية والتربوية، وإلا تم تصنيفها في خانة «الدول الشريرة» أو «الدول المارقة» ووضع اسمها ضمن القائمة التي صنفتها واشنطن، والتي تصل الى نحو 60 حركة وتياراً سياسياً ودينياً في حدود 40 بلداً.

وكان بيان المثقفين الأميركيين الستين الذي صدر عقب أحداث سبتمبر على قاعدة نظرية صموئيل هنتينغتون «صدام الحضارات» ونظرية «نهاية التاريخ» لفرانسيس فوكوياما، دليلاً على انعدام معايير التسامح إزاء ما حدث، بحيث يتم اختزال نحو مليار و400 مليون مسلم موزعين على 60 بلداً بينها 57 دولة إسلامية عضواً في المؤتمر الإسلامي، وتشكل نحو ثلث بلدان العالم التي بلغت 192 دولة ونحو خُمس سكان المعمورة، إلى مجرد مجتمعات تشجع على ممارسة الإرهاب وتغذيته فكرياً ومالياً.

لعل ذلك ينم عن فهم قاصر في النظر إلى المسلمين، باعتبارهم كتلة واحدة وباعتبار الإسلام شيئاً واحداً، ولا يجري التفريق أحياناً بين الإسلاميين والإسلامويين، وكأن الإرهاب قدر لصيق بالإسلام.

إن للإسلامويين وللمسلمين آراء في السياسة والمجتمع والعلاقات تختلف تبعاً لاختلاف المصالح والأهداف والتصورات، فلا الإسلام كله ولا المسلمون كلهم هم تنظيم «القاعدة»، وليس لهم توجهات حكومة «طالبان» الأفغانية السابقة، أو نموذج بن لادن أو أيمن الظواهري أو أبو مصعب الزرقاوي، بل إن قسماً كبيراً من الإسلامويين، اضافة الى الأغلبية الساحقة من المسلمين، لم يؤيدوا إجراءات حكومة «طالبان» وتعصّب تنظيم «القاعدة» والتوجهات الإرهابية التي تعتمدها.

ومثلما نظر بعضهم إلى الغرب نظرة شمولية باعتباره «شراً مطلقاً» من دون تمييز بين الغرب السياسي والذي لديه مصالح وسياسات يريد فرضها، والغرب الثقافي الذي وقف إلى جانبنا في الكثير من الأحيان، فقد نظرت الأوساط المتنفذة في الغرب إلى الإسلام نظرة «كلّانية» أي شاملة، من دون تمايز أو تلوينات أو تكوينات مختلفة لشعوب وأمم لها تاريخها ولغاتها وتوجهاتها الفكرية والقومية ونظمها السياسية المختلفة. صحيح ان كل مسلم، متديناً أم غير متدين، أصولياً أم ليبرالياً، علمانياً أم متزمتاً، مجدداً أم محافظاً، يمينياً أم يسارياً، يشعر أنه جزء من هوية كبيرة اسمها الإسلام، ويحتفل بأعياده الإسلامية ويطلق الأسماء الإسلامية على أبنائه وأحفاده، ويقيم مراسم العزاء والدفن على الطريقة الإسلامية، بل إن أغلبيتهم الساحقة لا تتناول اللحوم إلا إذا كانت مذبوحة على الطريقة الإسلامية، لكن هذا شيء وتنظيم «القاعدة» أو توجهات حكومات حركة «طالبان» أو غيرها من الحركات الإرهابية أو الحكومات الإسلامية، التي تستمد من الدين أساساً لشرعيتها شيء آخر.

الإسلام في نهاية المطاف حضارة وهوية لأمم وشعوب وتكوينات عرقية واثنية متنوعة، أدت دوراً كبيراً في توجهاتهم لاحقاً، لكنه كدين لم يضع حاجزاً أمام انخراطهم في الركب العالمي نحو الحداثة والديموقراطية وحقوق الإنسان، ولعل التجربة التركية رغم التحديات التي لا تزال تواجهها خير دليل على ذلك.

لقد أثارت العديد من الدعوات في الغرب بما فيها بيان المثقفين الأميركيين بعض التداعيات إزاء عملية تنميط الإسلام أو «نمذجة» الإرهاب وربطه بالإسلام، لدرجة أن المفكر إدوارد سعيد، أشار بوضوح أقرب إلى الاتهام، إلى محاولة بعض هؤلاء إبقاء «خطر الإسلام والتنديد به وإلصاقه بممارسات العنف والاستبداد والإرهاب» من أمثال جودي ميلر وصموئيل هنتينغتون ومارتن كرايمر وبرنارد لويس ودانيال بايس وستيفن أمرسون وباري روبن، إضافة الى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين الذين صنفوا الإسلام شيئا مرعبا لا نظير له.

ربما هناك الكثير من الإبهام والالتباس والغموض بشأن المشترك الإنساني للإسلام الذي يشكل الهوية الثقافية والدينية للمجتمعات الإسلامية، بغض النظر عن اللغة أو القومية. وإذا كان مثل هذا الأمر بعيداً عن تفكير المواطن العادي في الغرب، فإنه ليس بعيداً عن تفكير وخطط ومعرفة النخب السياسية الحاكمة ومصالحها، ولكن قد يكون هدف مثل هذا الترويج أو الدعاية السوداء هو أن الإسلامويين أو المتطرفين والمتعصبين هم نموذج الإسلام لأهداف ترتبط بالسياسة الامبراطورية من أجل فرض التبعية والهيمنة، وليس البحث في حقيقة الظاهرة لتفادي مخاطرها والتوصل إلى السبل الناجعة لمكافحتها.

* كاتب ومفكر عربي