أين أم بدر؟

نشر في 18-01-2008
آخر تحديث 18-01-2008 | 00:00
 إيمان علي البداح

قصة مأساوية لعائلة من البدون أثناء الغزو الغاشم، إذ تعرض أفرادها للاغتصاب والامتهان وعانوا شظف العيش وظلم مجتمع لم يقدم لهم يد العون، فكان مصيرهم السفر إلى مجهول ترعاه سفارة أجنبية.

مباشرة بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي عملت مع مجموعة طيبة من شابات وشباب الكويت في الجمعية الكويتية للدفاع عن ضحايا الحرب لسد الفراغ الواضح في مساعدة ضحايا التعذيب والاغتصاب وضمان الدفاع عن الأسرى والمفقودين والشهداء. ورغم النجاحات الكثيرة لهذا العمل التطوعي، فإن الاحباطات والعوائق المدروسة من قبل بعضهم أدت إلى موت هذا المشروع المميز في تاريخ العمل التطوعي في الكويت.

من أكثر الحالات مأساوية في نظري كانت حالة السيدة الفاضلة أم بدر، وليسمح لي القارئ رواية مأساتها بالتفصيل رغم بشاعتها لعل في ذلك عظة لمن مازال يملك ذرة من الإنسانية في هذا الوطن.

أبو بدر عسكري في الجيش من البدون. كان في الثلاثينات من عمره وله ولد في التاسعة من العمر تقريباً. عندما سمع بالغزو توجه لبيته وحمل سلاحه وهمَّ بالخروج للدفاع عن الكويت. إلا أن القوات العراقية كانت قد دخلت لمدينته ووصلت إلى بيته لعلمهم أنه عسكري. دخل بيته في ذلك اليوم خمسة جنود قاموا باغتصابه أمام زوجته وابنه، ثم تناوبوا على اغتصاب زوجته أمامه، وبعد ذلك أشعلوا سجائرهم وضحكوا ودخنوا وأطفأوا أعقاب السجائر داخل زوجته وخرجوا!

عايش أبو بدر شهور الغزو منعزلاً في غرفته رافضاً الكلام أو الحركة من وقع ما أصابه. في حين حملت أم بدر جروحها ومأساتها وفعلت كل ما في وسعها لضمان لقمة العيش لابنها. فباعت أثاث البيت كله والأجهزة الكهربائية وما ملكته من ذهب لتأكل وتشرب هي وعائلتها المنكوبة خلال الشهور السوداء.

الطامة الأكبر أنه بعد التحرير استلم أبو بدر خبر فصله من الجيش لأنه «متعاون» مع الجيش العراقي وذلك بشهادة الجيران الذين رأوا خمسة أفراد من الجيش يدخلون إلى بيته ويخرجون ضاحكين!! فما كان منه إلا أن حمل سلاحه وحاول قتل نفسه لينتهي من هذه الحياة المأساوية. ولكن لسبب ما كتب الله له الحياة رغم إصابته التي وضعته في غيبوبة كاملة.

علمنا بأم بدر عن طريق فاعلة خير. وخرج فريق مختص لزيارتها وتقييم حالتها وتقصي صحة قصتها. وحاولنا بالوسائل كافة رد الاعتبار لزوجها الذي بقي بين الحياة والموت مسلوب الكرامة وأبسط حقوق الإنسان. ولكننا فشلنا. وكل ما استطعنا القيام به أمام دموع أم بدر الصامتة هو إعطائها المال لتعيش وتطعم ابنها. وبعد شهور من المحاولات قامت إحدى السفارات الأوروبية بتبني العائلة وأخذها للعلاج. ومنذ ذلك الحين لم أسمع أي خبر عنها.

أتساءل أي حياة تعيشها أم بدر الآن في بلد أجنبي لا تعرف لغته أو عاداته أو تقاليده؟ وما هي حياة بدر الطفل الذي رأى أبشع جوانب الحياة منذ نعومة أظفاره؟ وأتساءل من يتحمل مسؤولية ما أصاب هذه العائلة؟ ومن سيدفع الثمن؟

back to top