نجاح حزب العدالة والتنمية... هل هو نجاح للإسلاميين؟!
لا يمكن لنا أن نقبل من أي من المتحمسين للتجارب الإسلامية أن يقول إن التجربة الإسلامية إن كانت فشلت مع «طالبان»، ولم تحقق نتائجها المنشودة في السودان، فقد نجحت اليوم في تركيا، لأن هذا اختزال مخل واستدلال غير موضوعي.
بعد النجاح الانتخابي الباهر لحزب العدالة والتنمية التركي اخيراً، وتتويج عبد الله غول رئيساً للحكومة، كثر الجدل بشأن المسألة، فقد انقسم القوم عندنا بين مهلل مكبر في جانب ينظر إلى هذا النجاح على أنه نجاح للتجارب الإسلامية السياسية كلها، ودليل قاطع على أن الشعب التركي سيبقى مسلماً رافضاً لكل محاولات سلخه عن دينه، ومثبط محبط في الجانب الآخر يقلل من شأن التجربة أو ينظر إليها على أنه لا علاقة لها بالإسلام! لكن الأمر في حقيقته ليس إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.بالطبع مفهوم هو هذا الحماس الكبير لنجاح حزب العدالة والتنمية من قبل الإسلاميين، ففي ظل كل الاستهداف الغربي، أو لنقل الأميركي تحرياً للدقة، من بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، للإسلام المنظم من خلال تحجيم مؤسساته السياسية والخيرية والدعوية حول العالم، وأيضا في ظل الحديث المستمر من غير الإسلاميين عن فشل تجارب الحكم الإسلامية السياسية، كان الإسلاميون بحاجة إلى نموذج ناجح، بل وصاخب النجاح، ليرفعوا رايته.ومن الجانب الآخر، أستطيع كذلك أن أفهم رغبة غير الإسلاميين في التقليل من نجاح التجربة، وذلك لما يرونه من اكتساح شعبي عنيد ومتواصل لهم في كل مكان، بالرغم من القمع الغربي والسلطوي العربي كله الذي يستهدفهم، لأن آخر ما يحتاج اليه هؤلاء، أعني غير الإسلاميين، هو نجاح الإسلاميين في تجربة حكم تزيد قوتهم قوة، وتقلص إن لم تعدم آخر آمال مناوئيهم بسحب البساط من تحت أرجلهم ومن تحت أفكارهم، بدعوى أنها أفكار بالية عفا عليها الزمن لا تصلح للعصر. لكن لو تخلى الجانبان عن رغبتهما المتأصلة في مبارزة بعضهما بعض، ودرست هذه التجربة المهمة واللافتة للنظر بحيادية وموضوعية لخلصا إلى الكثير من النتائج المفيدة، سواء على صعيد تطوير الذات أو على صعيد فهم الآخر.من المستحيل أن نضع تجربة حزب العدالة والتنمية التركي في السلة ذاتها التي نضع فيها تجربة «طالبان» أو تجربة الإسلاميين في السودان أو غيرها من التجارب القريبة، وبالتالي لا يمكن لنا أن نقبل من أي من المتحمسين للتجارب الإسلامية أن يقول إن التجربة الإسلامية إن كانت فشلت مع «طالبان»، ولم تحقق نتائجها المنشودة في السودان، فقد نجحت اليوم في تركيا، لأن هذا اختزال مخل واستدلال غير موضوعي.حزب العدالة والتنمية، وحتى إن كان إسلاميا بشكل من الأشكال، فإنه قد جاء ليحكم تركيا اليوم من خلال نظام علماني صرف. وهذه الحقيقة، وبغض النظر عن حكمنا عليها، يجب أن توقف الإسلاميين المتحمسين لنجاح التجربة أمام سؤال جواز ذلك من عدمه على المقياس الشرعي، وإن كانوا يقبلون بذلك في تركيا فلم لا يقبلون به في بقية بلدان العالم العربي والإسلامي، التي يتعذر الوصول فيها إلى الحكم الإسلامي المتكامل الذي يحلمون به.أطرح هذا التساؤل لأنه يتعذر علي أن أفهم كيف لا تقبل جماعة إسلامية كويتية معروفة مثلا أن تسمي نفسها حزباً سياسياً، لأن ذلك يتعارض في رأيها مع الإسلام، وينطلق كُتابها للإشادة بكل حماسة بنجاح حزب العدالة والتنمية، بالرغم من أنه سيبقى حزباً علمانياً يمارس العلمانية السياسية ويقبل بها، بل ويحترمها، كما جاء على لسان غول.من ناحية غير الإسلاميين، يمكن لي أن أفهم، وكما أسلفت، سبب تقليلهم من شأن التجربة ورغبتهم الدائمة في توبيخ الإسلاميين والحط من شأن نجاحاتهم، حتى لو كان ذلك على حساب الإنصاف والموضوعية، لكن قد صار اليوم عليهم أن يقروا بأن الرحم الإسلامية قد غدت قادرة على أن تضع تجربة، ربما ستليها تجارب، تجمع ما بين الشعار الديني الأخلاقي السامي، القادر على أن يجمع حوله الناس بأعداد هائلة، والنموذج السياسي العصري، هذا الجمع الذي تفتقر إليه أغلب التجارب غير الإسلامية، إن لم يكن على مستوى النظرية في الأساس فعلى مستوى التطبيق.في الخلاصة أقول إن تجربة حزب العدالة والتنمية يجب أن تدرس بمعزل عن العاطفة، لأنها تستحق إعمال النظر العميق، وتستحق التوقف عندها، فلعَّل فيها ما يؤذن بمرحلة جديدة ومختلفة تأتي بالخير على العالم العربي والإسلامي ليتسنى له أن يدخل المستقبل بشكل أفضل!