اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية 1/6

نشر في 27-01-2008 | 00:00
آخر تحديث 27-01-2008 | 00:00

نبعت فكرة كتاب «اللوبي الإسرائيلي» بعدما سطر الأكاديميان جون مارشايمر (جامعة شيكاغو) وستيفين والت (جامعة هارفارد) مقالا موسعاً في دورية «لندن ريفيو أوف بوكس» في مارس عام 2006، وبمجرد أن عرف المقال النور ترددت أصداؤه على نحو غير مسبوق في الأوساط السياسية الدولية، وأحاطته موجات متعاقبة من الجدل والإثارة، إذ اعتبره كثير من النقاد أنه من أكثر المقالات والتحليلات السياسية جرأة وإقداما بتصديه لقضية جماعات الضغط الإسرائيلية داخل الولايات المتحدة، وهي «منطقة محرمة» يتجنب كثير من المراقبين والمحللين الاقتراب منها، مخافة تعرضهم لضغوط واتهامات قد تصل إلى حد معاداة السامية. غير أن مارشايمر ووالت لم يثنهما الجدل الواسع النطاق والانتقادات الحادة، عن تطوير الفكرة وتعميقها، إذ استمرا في مشروعهما وأصدرا كتاباً في أغسطس 2007 يحمل العنوان نفسه «اللوبي الإسرائيلي ... والسياسة الخارجية للولايات المتحدة»، وهو الكتاب الذي سعيا فيه إلى إجراء رصد متأن وعميق، من أجل تفسير تلك القوة «الفريدة» من نوعها العاملة على الأراضي الأميركية، ويؤكد المؤلفان أنهما استخدما اصطلاح «اللوبي» اختصاراً «لوصف ذلك الائتلاف الفضفاض من الأفراد والمنظمات التي تعمل بشكل نشيط لتوجيه السياسة الخارجية الأميركية في اتجاه مؤيد لإسرائيل، لكن- والاستدراك للكتاب- «هذا لايعني الإشارة إلى أن اللوبي هو حركة موحدة ذات قيادة مركزية، أو أن الأفراد المنضوين داخله لايختلفون حول بعض القضايا».

ويرى الكتاب أن الإخلاص المستميت والحرص الدائم، الذي تبديه السياسات والإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض، ومراكز صنع القرار في الولايات المتحدة لضمان أمن ووجود إسرائيل كأحد أهم أولويات السياسة الخارجية الأميركية، يقابلهما من الجانب الإسرائيلي ندرة في الإخلاص، وحنثاً بالوعود، وتجسساً وتسريباً لأسرار عسكرية واستراتيجية هي الأخطر والأفدح على أمن الولايات المتحدة، إذ يقول الكتاب إن إسرائيل الحليف تقوم أيضاً «بإجراء عمليات تجسس ضد الولايات المتحدة هي الأكثر عدوانية بين حلفائها جميعاً».

ويحذر الكتاب من حال الإذعان الأميركي لممارسات اللوبي الإسرائيلي، الذي ربما يقود الولايات المتحدة والعالم إلى وضع كارثي، معربا عن قلقه من حملة اللوبي لتغيير النظام في إيران وسورية، وهي الحملة التي ربما تدفع الولايات المتحدة الى مهاجمة هاتين الدولتين، مما ستكون له تأثيرات كارثية بحق «فنحن لسنا بحاجة إلى عراق آخر»، حسب وصف الكتاب الذي تنشر «الجريدة» ملخصاً تنفيذياً له على ست حلقات.

خلال العقود العديدة الماضية، خصوصاً منذ حرب الأيام الستة في عام 1967، كان حجر الزاوية للسياسة الأميركية الشرق أوسطية هو علاقتها مع إسرائيل، وأدت توليفة الدعم الثابت لإسرائيل والجهود المتعلقة بها إلى نشر الديموقراطية في كل أنحاء المنطقة، إلى تأجيج الرأي العام العربي والإسلامي، ولم يتسبب في تعريض الأمن الأميركي للخطر فحسب، بل انسحب إلى تهديد أمن معظم بقية العالم أيضاً، وهي حال لا مثيل لها في التاريخ السياسي الأميركي.

لماذا رغبت الولايات المتّحدة في التخلي عن أمنها الخاص وأمن العديد من حلفائها من أجل تعزيز مصالح دولة أخرى؟

قد يفترض المرء أن العلاقة بين البلدين مبنية على مصالح استراتيجية مشتركة، أو على أولويات أخلاقية مُلحة، لكن أياً منهما لا يمكنه تفسير ذلك المستوى الاستثنائي للدعم المادي والدبلوماسي الذي تقدمه الولايات المتحدة.

وعوضاً عن ذلك، فإن القوة الدافعة للسياسة الأميركية في المنطقة، مشتقّة بصورة كاملة تقريباً من السياسات الداخلية، خصوصا نشاطات «اللوبي الإسرائيلي»، فجماعات المصالح الخاصة الأخرى تمكنت من استمالة السياسة الخارجية الأميركية، لكن ليس هناك أي لوبي آخر تمكن من تحويلها بهذا القدر من البُعد عما تقتضيه المصلحة الوطنية، مع إقناع الأميركيين، في الوقت نفسه، بأن المصالح الأميركية وتلك الخاصة بالبلد الآخر - في هذه الحال (إسرائيل) - متماثلة جوهرياً.

منذ حرب أكتوبر 1973، زودت واشنطن إسرائيل بمستوى من الدعم يتضاءل أمامه ذلك المقدم لأي دولة أخرى؛ فقد ظلت إسرائيل المتلقي السنوي الأكبر للمساعدات الاقتصادية والعسكرية المباشرة منذ عام 1976، والمتلقي الأكبر من حيث إجمالي المساعدات منذ الحرب العالمية الثانية، بمقدار يزيد بكثير على 140 مليار دولار أميركي (مقوّمة بأسعار صرف الدولار عام 2004). وتتلقى إسرائيل نحو ثلاثة مليارات دولار أميركي من المساعدات المباشرة سنوياً، وهو ما يوازي خُمس ميزانية المساعدات الخارجية تقريباً، أي ما يوازي نحو 500 دولار أميركي سنويا لكل مواطن إسرائيلي، وهذا السخاء مدهش، خصوصاً باعتبار أن إسرائيل الآن هي دولة صناعية غنية مع معدل للدخل الفردي يساوي تقريبا مثيله في كوريا الجنوبية أو إسبانيا.

تسهيلات استخباراتية

يحصل متلقو المساعدات الآخرون على أموالهم في صورة أقساط فصلية، لكن إسرائيل تتلقى كامل مخصصاتها في بداية كل سنة مالية، وبالتالي يمكنها أن تحصل على فوائد عليها، إن معظم الدول المتلقية للمساعدات الأميركية للأغراض العسكرية مجبرة على إنفاق كامل تلك المساعدات في الولايات المتّحدة، لكن يسمح لإسرائيل باستخدام 25 في المئة تقريباً من مخصصاتها لدعم صناعة الدفاع الإسرائيلية، وهي البلد المتلقي الوحيد الذي لا يتوجب عليه تفسير كيفية إنفاق المساعدات، مما يجعل من المستحيل عملياً منع استخدام المال في أغراض تعارضها الولايات المتّحدة، مثل بناء المستوطنات على الضفة الغربية. وبالإضافة إلى ذلك، زوّدت الولايات المتّحدة إسرائيل بنحو ثلاثة مليارات دولار أميركي لتطوير أنظمة التسليح، ومكنتها من الحصول على أسلحة بالغة التطور مثل مروحيات بلاكهوك وطائرات (F16) وأخيراً، تمنح الولايات المتّحدة إسرائيل وصولاً إلى المعلومات الاستخباراتية التي تضن بها على حلفائها في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وتغضّ الطرف عن امتلاك إسرائيل لأسلحة نووية.

وكذلك تزوّد واشنطن إسرائيل بالدعم الدبلوماسي المستمر: فمنذ عام 1982، استخدمت الولايات المتّحدة حق النقض «الفيتو» ضد 32 قراراً لمجلس الأمن ينتقد إسرائيل، وهو ما يزيد على العدد الكلي لقرارات الفيتو الصادرة عن جميع أعضاء مجلس الأمن الآخرين؛ كما تمنع جهود الدول العربية لوضع ترسانة إسرائيل النووية على جدول أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فالولايات المتحدة تهب لإنقاذ إسرائيل في زمن الحرب وتنحاز إلى جانبها عندما تتفاوض من أجل السلام، وقد حمتها إدارة نيكسون من تهديد التدخل السوفييتي وأعادت تزويدها بالأسلحة خلال حرب أكتوبر؛ كما شاركت واشنطن عن كثب في المفاوضات التي أنهت تلك الحرب، وكذلك في العملية «التدريجية» الطويلة التي تلتها، كما أدت دوراً رئيسياً في المفاوضات التي سبقت وتلت اتفاقيات أوسلو في عام 1993، وفي كلتا الحالتين، كان هناك خلاف عرضي بين المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين، لكن الولايات المتحدة دعمت الموقف الإسرائيلي على طول الخط. قال أحد المشاركين الأميركيين في مباحثات «كامب ديفيد» في عام 2000، في وقت لاحق للمفاوضات «في الغالبية العظمى من الأحيان، كنا نعمل... كمحامين لإسرائيل»، وفي النهاية، فإن طموح إدارة بوش حيال الشرق الأوسط يستهدف تحسين موقف إسرائيل الاستراتيجي، على الأقل جزئياً.

عبء استراتيجي

من الممكن فهم هذا الكرم الاستثنائي، إذا كانت إسرائيل تمثل مصدر قوة استراتيجية بالغة الأهمية، أو إذا كانت هناك حجة أخلاقية مُلحة للتأييد الأميركي؛ لكن أيا من التفسيرين غير مقنع، قد يجادل المرء بأنّ إسرائيل كانت مصدر قوة خلال الحرب الباردة. فبعملها كوكيل أميركا بعد عام 1967، ساعدت إسرائيل على احتواء التوسّع السوفييتي في المنطقة، وأنزلت هزائم مذلّة بزبائن السوفييت مثل مصر وسورية؛ كما ساعدت على حماية الحلفاء الآخرين للولايات المتحدة من حين لآخر (مثل الملك حسين ملك الأردن)، وأجبرت مهارتها العالية العسكرية موسكو على إنفاق المزيد على دعم الدول التابعة لها؛ كما زوّدت أميركا بمعلومات استخباراتية مفيدة بشأن القدرات السوفييتية.

بيد أن دعم إسرائيل لم يكن مهمة رخيصة، على أي حال، كما ساهم في تعقيد علاقات أميركا مع العالم العربي، وعلى سبيل المثال، أدى القرار الأميركي بمنح إسرائيل مساعدات عسكرية عاجلة بقيمة 2.2 مليار دولار أميركي خلال حرب أكتوبر، إلى الحظر النفطي الذي نفذته منظمة الأقطار المصدّرة للبترول (أوبك)، الذي أوقع ضرراً كبيراً بالاقتصادات الغربية، وبرغم كل ذلك، فلم تكن القوات المسلحة الإسرائيلية قادرة على حماية المصالح الأميركية في المنطقة.

لم تستطع الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أن تعتمد على إسرائيل عندما أثارت الثورة الإيرانية في عام 1979 المخاوف بشأن أمن الإمدادات النفطية، وكان لابد أن تشكل قوة الانتشار السريع الخاصة بها بدلا من ذلك.

كشفت حرب الخليج الأولى المدى الذي أصبحت إسرائيل تمثله كعبء استراتيجي: فلم يكن بوسع الولايات المتّحدة أن تستخدم القواعد الإسرائيلية من دون تمزيق التحالف ضد العراق، وكان لابد أن تحول الموارد (مثل بطاريات صواريخ باتريوت) لمنع تل أبيب من عمل أي شيء قد يضر بالتحالف ضد صدام حسين؛ وأعاد التاريخ نفسه في عام 2003: فبرغم أن إسرائيل كانت متلهفة على قيام الولايات المتحدة بمهاجمة العراق، فلم يستطع بوش أن يطلب منها المساعدة من دون التسبب في معارضة عربية، لذلك ظلت إسرائيل على الخطوط الجانبية مرة أخرى.

الإرهاب والعنف العشوائي

وبداية من تسعينيات القرن العشرين، ولدرجة أكبر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تم تبرير الدعم الأميركي بادعاء أن كلا الدولتين مهددتان بالجماعات الإرهابية الناشئة في العالمين العربي والإسلامي، ومن قبل «الدول المارقة» التي تدعم هذه الجماعات وتسعى إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل، واعتُبر أن ذلك يعني ليس فقط أن واشنطن يجب أن تمنح إسرائيل الحرية الكاملة في التعامل مع الفلسطينيين، وألا تضغط عليها لتقديم تنازلات حتى يُسجن أو يموت الإرهابيون الفلسطينيون جميعهم، بل إن الولايات المتّحدة يجب أن تُلاحق بلداناً مثل إيران وسورية، وبالتالي، صار يُنظر إلى إسرائيل كحليف بالغ الأهمية في الحرب على الإرهاب، لأن أعداءها هم أعداء أميركا. وفي الواقع، تمثل إسرائيل عائقاً في الحرب على الإرهاب والجهد الأوسع للتعامل مع الدول المارقة.

ليس «الإرهاب» خصماً منفرداً، لكنه تكتيك تستخدمه مجموعة واسعة من الجماعات السياسية. بيد أن المنظمات الإرهابية التي تهدد إسرائيل لا تهدد الولايات المتحدة، باستثناء ما يحدث عندما تتدخل ضدها (كما حدث في لبنان عام 1982). وبالإضافة إلى ذلك، فالإرهاب الفلسطيني ليس عنفا عشوائياً موجهاً ضد إسرائيل أو «الغرب»؛ بل هو في معظمه ردٌ على حملة إسرائيل المطولة لاستعمار الضفة الغربية وقطاع غزة.

والأكثر أهمية أن مقولة إن إسرائيل والولايات المتحدة متحدتان بفعل تهديد إرهابي مشترك يعود بالعلاقة السببية إلى الوراء: فكون الولايات المتّحدة تعاني مشكلة مع الإرهاب يُعزى معظمها لأنها متحالفة مع إسرائيل بدرجة وثيقة للغاية، وليس العكس. كما أن دعم إسرائيل ليس هو المصدر الوحيد للإرهاب المعادي للأميركيين، لكنه واحد مهم منها، وهو يجعل الانتصار في الحرب على الإرهاب أكثر صعوبة. ليس هناك شك في أن العديد من زعماء «القاعدة»، بمن فيهم أسامة بن لادن، يحرضه وجود إسرائيل في القدس ومحنة الفلسطينيين؛ كما أن الدعم غير المشروط لإسرائيل يجعل مسعى المتطرفين إلى حشد الدعم واجتذاب مجندين جدد، أمراً أكثر سهولة.

لغة الابتزاز النووي

أما بالنسبة لما تسمى بالدول المارقة في الشرق الأوسط، فهي لا تمثل تهديداً خطيراً للمصالح الأميركية الحيوية، باستثناء كونها تمثل تهديداً لإسرائيل. وحتى إذا امتلكت هذه الدول أسلحة نووية، وهو أمر غير مرغوب تماماً، فلا يمكن ابتزاز أميركا ولا إسرائيل، لأن المُبتز لا يستطيع أن ينفّذ تهديده من دون أن يتعرض لانتقام ساحق؛ كما أن خطر تسليم أسلحة نووية إلى الإرهابيين بعيد بالمثل، لأن الدولة المارقة لا يمكنها التأكد من أن تمرّ عملية النقل من دون أن تُكتشف، أو أنّها لن تتعرض للّوم والعقاب بعد ذلك.

إن العلاقة مع إسرائيل تجعل الأمر أكثر صعوبة على الولايات المتّحدة بالفعل أن تتعامل مع هذه الدول؛ كما أن ترسانة إسرائيل النووية تمثل أحد الأسباب التي تجعل بعض جيرانها يرغبون في امتلاك أسلحة نووية، ومجرد تهديدهم بتغيير النظام يزيد تلك الرغبة اشتعالاً.

هناك سبب أخير للتشكيك في ثقل إسرائيل الاستراتيجي، وهو أنها لا تتصرف كحليف مخلص: فكثيراً ما يتجاهل المسؤولون الإسرائيليون الطلبات الأميركية، وينكثون بوعودهم، بما فيها الوعود بالتوقف عن بناء المستوطنات والامتناع عن «الاغتيالات الموجهة» للزعماء الفلسطينيين. كما زودت إسرائيل تكنولوجيا عسكرية حساسة لمنافسين محتملين مثل الصين، فيما أسماه المفتش العام لوزارة الخارجية «نمط منظم ومتزايد من عمليات التسريب غير المخولة».

ووفقا لدائرة الحسابات العامة، فإسرائيل تقوم أيضا «بإجراء عمليات التجسس الأكثر عدوانية ضد الولايات المتحدة من قبل أي من حلفائها»، وبالإضافة إلى حال جوناثان بولارد، الذي أعطى إسرائيل كميات كبيرة من المعلومات السرية في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين (التي نُقلت على ما يقال إلى الاتحاد السوفييتي مقابل المزيد من تأشيرات الخروج لليهود السوفييت)، فقد تفجر خلاف جديد في عام 2004، عندما اكتُشف أن أحد كبار المسؤولين في البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)، يسمى لاري فرانكلين، مرّر معلومات سرية إلى دبلوماسي إسرائيلي.

إن إسرائيل هي الدولة الوحيدة تقريباً التي تتجسس على الولايات المتّحدة، لكن استعدادها للتجسس على راعيها الرئيسي يبعث مزيداً من الشكوك بشأن قيمتها الاستراتيجية.

معارك داوود وجالوت

بيد أن قيمة إسرائيل الاستراتيجية ليست هي القضية الوحيدة: يجادل داعموها أيضا بأنها تستحق دعماً غير محدود لأنها ضعيفة ومحاطة بالأعداء؛ ولأنها دولة ديموقراطية؛ ولأن الشعب اليهودي عانى الجرائم في الماضي، وبالتالي يستحق معاملة خاصة؛ وأن سلوك إسرائيل كان أسمى أخلاقياً من سلوك خصومها.

وعند الفحص الدقيق، ليس هناك من بين هذه الحجج ما هو مُقنع، هناك حجة أخلاقية قوية لدعم وجود إسرائيل، لكن ذلك الوجود ليس في خطر، وعند النظر إليه بموضوعية، فإن سلوكها القديم والحديث لا يقدم أي قاعدة أخلاقية لتفضيلها على الفلسطينيين.

تُصور إسرائيل في أغلب الأحيان كما لو كان داوود يواجه جالوت، لكن العكس هو الأقرب إلى الحقيقة: فعلى نقيض الاعتقاد الشائع، كان الصهاينة يمتلكون قوات أكبر حجما، وأفضل تجهيزاً، وأحسن تنظيما خلال «حرب الاستقلال» ما بين عامي 1947- 1949، كما كسبت قوات الدفاع الإسرائيلية انتصارات سهلة وسريعة ضد مصر في عام 1956 وضد مصر، والأردن، وسورية في عام 1967، كل هذا قبل أن تبدأ المساعدات الأميركية الواسعة النطاق بالتدفق.

أما اليوم، فإسرائيل هي القوة العسكرية الأقوى في الشرق الأوسط؛ فقواتها التقليدية متفوقة بكثير عما يمتلكه جيرانها، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة المزودة بالأسلحة النووية.

وقعت مصر والأردن معاهدتي سلام مع إسرائيل، كما عرضت المملكة العربية السعودية عمل ذلك، وفقدت سورية راعيها السوفييتي، ودُمر العراق بفعل ثلاثة حروب كارثية، فيما تبعد إيران بمئات الأميال، وبالكاد يمتلك الفلسطينيون قوة شرطة فعالة، ناهيك عن امتلاك جيش يمكن أن يشكل تهديداً لإسرائيل، ووفقا لتقييم أجري في عام 2005 من قبل مركز «جافي» للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب، «يميل الميزان الاستراتيجي بكل تأكيد لمصلحة إسرائيل، التي واصلت توسيع الفجوة النوعية بين قدراتها العسكرية وقوى الردع لديها، وما يمتلكه جيرانها منها»، فإذا كان تأييد المستضعف يمثل دافعاً مُلحاً، فلابد أن تقدم الولايات المتّحدة الدعم لخصوم إسرائيل.

إن كون إسرائيل دولة ديموقراطية شقيقة محاطة بدكتاتوريات معادية، لا يمكنه تفسير المستوى الحالي للمساعدات: فهناك العديد من الديموقراطيات في العالم، لكن ليس منها ما يتلقى الدعم المفرط نفسه.

أسقطت الولايات المتحدة حكومات ديموقراطية في الماضي، ودعمت حكاماً طغاة عندما اعتقدت أن ذلك يعزز مصالحها، كما تحتفظ اليوم بعلاقات جيدة مع عدد من الأنظمة الدكتاتورية.

قائمة السخاء الأميركي لإسرائيل

 

 

• تتلقى إسرائيل نحو ثلاثة مليارات دولار أميركي من المساعدات المباشرة سنوياً، وهو ما يوازي خُمس ميزانية المساعدات الخارجية تقريباً.

• أميركا تهب 500 دولار مساعدة لكل مواطن إسرائيلي سنوياً.

• يزيد إجمالي المساعدات الأميركية لإسرائيل منذ الحرب العالمية الثانية على 140 مليار دولار.

• تحصل الدول الأخرى على المساعدات في صورة أقساط فصلية، لكن إسرائيل تتلقى كامل مخصصاتها في بداية كلّ سنة مالية، وبالتالي يمكنها أن تحصل على فوائد عليها.

• يسمح لإسرائيل باستخدام 25 في المئة تقريباً من مخصصاتها لدعم صناعة الدفاع الإسرائيلية، وهي البلد المتلقي الوحيد الذي لا يتوجب عليه تفسير كيفية إنفاق المساعدات.

• زودت الولايات المتّحدة إسرائيل بنحو ثلاثة مليارات دولار أميركي لتطوير أنظمة التسليح، ومكنتها من الحصول على أسلحة بالغة التطور مثل مروحيات بلاكهوك وطائرات (F16).

• تمنح الولايات المتّحدة إسرائيل وصولاً إلى المعلومات الاستخباراتية التي تضنّ بها على حلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتغض الطرف عن امتلاك إسرائيل لأسلحة نووية.

back to top