لايزال بعض قضايا الفساد وسوء الاستغلال يدور في أروقة المحاكم منذ القرن الماضي، وأصبح البديل عن ذلك الطلب ممن أساء وانتفع من دون وجه حق الاستقالة من منصبه العام، أو إعفاءه وتطبيق سياسة الإحلال والدماء الجديدة التي سرعان ما قد تتأقلم مع الجو الملبد لتدور عجلة الفساد من جديد، لكن بأسماء ومشاريع مختلفة.تراجعت الكويت على مؤشر الشفافية العالمي بنحو 30 مرتبة خلال السنوات الثلاث الماضية، وتقهقرت من المركز 33 في عام 2005 إلى المركز 46 في عام 2006، ثم إلى المركز 60 هذا العام، وذلك من بين 180 دولة في العالم، حسب تقرير منظمة «الشفافية الدولية» التي ترفع شعار (الاتحاد العالمي من أجل مكافحة الفساد)، ويعتبر هذا التصنيف توثيقاً جديداً لمعدل الانزلاق السريع والمتواصل إلى أعماق الخراب بدلالاته وانعكاساته كلها، والنتائج التي قد يؤول إليها مستقبل هذا البلد الصغير وإمكاناته المالية الضخمة التي يسيل لها كل لعاب ليلاً ونهاراً.
وعلى الرغم من أن التقرير العالمي لمكافحة الفساد قد لا يصدمنا بهول المفاجأة في ظل الإجماع الكويتي، بدءاً من القيادة السياسية وانتهاءً بأبسط مواطن، على انتشار صور وأشكال الفساد بأنواعه المختلفة التي أصبحت مادة يومية على طاولة المنتديات العامة وشارع الصحافة وبأسلوب يكاد يكرس الاستسلام للأمر الواقع، إلّا أن ما يعيبنا أكثر هو وصول صدى هذه السمعة السيئة الى بلد طالما كان مثالاً للنهضة والتنمية إلى تصنيفات المؤسسات الدولية ووسائل الإعلام العالمية، وفي ظل التمتع بسلطات دستورية وأجهزة رقابية بات بعضها المتهم الرئيس بقضايا الفساد والإفساد!
أما المفارقة المحزنة في هذا الشأن فتكمن في استفحال الفساد وصداه وتوثيقاته على مدى السنوات الثلاث الماضية تحديداً، بالتزامن مع إطلاق شعار الإصلاح ومحاربة الفساد الذي لم نجد معه سوى بعض الخطوات العملية، وإن بدت محدودة وخجولة ومضطرة أحياناً إلى وقف بعض المشاريع الملغومة، وفي هذا دلالة واضحة على مدى انتشار مفهوم الفساد وتطبيقاته على أرض الواقع وقهره لسياسة الإصلاح حتى الآن.
إن مشكلتنا مع الفساد تنبع من بعدين أساسيين؛ الأول، يتمثل في أسلوب خلط الأوراق حيث يدخل الجميع على خط مواجهة الفساد بدعوة ومن دون دعوة، والكل يزعم رفع راية الإصلاح وشعار الشرف، الأمر الذي خلق جواً ضبابياً وقاتماً بحيث يصعب فيها التمييز بين الخطأ والصواب والحق والباطل، وباتت الأطراف جميعاً تملك من وسائل الإعلام والصحافة والفزعة الاجتماعية ما يمكنها من إضفاء صفة الشرف والأمانة لنفسها ووضع الآخرين في خانة الحرامية والمفسدين من خلال إظهار أنصاف الحقائق والمعلومات.
أما السبب الآخر الذي يمثل التحدي الأكبر فيكمن في غياب معايير الشفافية والنزاهة وأجهزتها الرقابية والمحاسبية وتشريعاتها العصرية القادرة على مواكبة التطورات الفنية والدقيقة في مجال الإدارة والاقتصاد والاستثمار والصناعة وغيرها، إضافة إلى الفراغ الكبير في قوانين الجزاء وبطء الإجراءات القضائية والمحاكمات، حيث لايزال بعض قضايا الفساد وسوء الاستغلال يدور في أروقة المحاكم منذ القرن الماضي، وأصبح البديل عن ذلك الطلب ممن أساء وانتفع من دون وجه حق الاستقالة من منصبه العام، أو إعفاءه وتطبيق سياسة الإحلال والدماء الجديدة التي سرعان ما قد تتأقلم مع الجو الملبد لتدور عجلة الفساد من جديد، ولكن بأسماء ومشاريع مختلفة، ومادام شعار الإصلاح ومحاربة الفساد يظل حبراً على ورق فوق صفحات الخطاب السياسي، فإن واقعنا سوف يستمر يجسد حقيقة الفساد ومحاربة الإصلاح!