Ad

من خلال أجوبة العماد سليمان عن «امتحان النوايا» ظهر لأعضاء «لجنة التحقيق» الثلاثية أن العماد سليمان يرغب في أن يعزف منفرداً عندما يصل إلى القصر الرئاسي في بعبدا... ورفض سليمان إعطاء أي ضمانات جازمة للمعارضة، مما أثار عصبية فرنجية، حيث خرج النقاش في بعض جوانبه عن حدود اللياقة الدبلوماسية.

يعتبر سليمان فرنجية من أشد المتحمسين لانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وقد لعب أدواراً مميزة في تقريب وجهات النظر بين القائد العسكري ورفيقه في السلاح العماد ميشال عون، كذلك لعب الأدوار نفسها في زيادة رصيد سليمان في دمشق، نظراً للعلاقة المتينة والقديمة التي تربط فرنجية بعائلة الأسد، خاصة الرئيس السوري بشار الأسد. أيضاً، كان فرنجية وراء إقناع عون وبالتالي أركان المعارضة بالانسحاب من الترشيح للرئاسة لمصلحة العماد سليمان. وفي ليلة ليلاء انقلب موقف فرنجية رأساً على عقب، فأصبح -حسب تعبيره- لا يثق بميشال سليمان، بل يشكك بنواياه تجاه مطالب المعارضة، وذهب في «انقلابه» المفاجئ هذا إلى حد اتهام سليمان بعقد صفقة مع الموالاة على حساب المعارضة. فما الذي حدث؟

في هذا الكلام سأحاول التقاط الصور المتفرقة التي تظهر الأسباب والدوافع وراء كل ما حدث في هذا المجال.

في الشهر التاسع من السنة الماضية، وبعد إعلان عون سحب ترشيحه للرئاسة وتبنى بقوة ترشيح قائد الجيش، قام العماد سليمان بسلسلة زيارات بروتوكولية لتأكيد وقوف المعارضة إلى جانبه، وكانت الموالاة بلسان سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع وأمين الجميل قد سحبوا، بشكل مفاجئ أيضاً ترشيح مرشحيهم النائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود، وذلك إثر عودة جنبلاط من زيارة مطولة للعاصمة الأميركية واشنطن. وهكذا أصبح العماد سليمان مرشح التوافق بلا منازع، ولأن المعارضة كانت تنادي بترشيح سليمان والموالاة تعارضه، والبطريرك الماروني أضاف اسمه في اللحظة الأخيرة في لائحة المرشحين السبعة المعروفة والتي جاءت نتيجة للمبادرة الفرنسية، فإن الانطباع السائد أن سليمان يميل إلى المعارضة أكثر من الموالاة، مع أنه حاول منذ تلك الفترة أن يمسك العصا من وسطها بين الطرفين.

وفي شهر ديسمبر استطاع عمرو موسى أمين الجامعة العربية، من خلال نشاط مكوكي متعب ومرهق لأعصاب الجميع، أن يصل إلى صيغة ما لحل الأزمة. وهي المرة الأولى التي وصل فيها موسى إلى حافة النجاح، وتقرر بتوافق الجميع، موالاة ومعارضة، عقد جلسة لمجلس النواب كان رئيس المجلس نبيه بري قد أعلن عقدها ظهر السبت لإجراء عملية الانتخاب.

مساء يوم الجمعة عقد أركان المعارضة اجتماعاً سرياً لوضع اللمسات الأخيرة. مندوب «حزب الله» بادر إلى إثارة الشكوك حول نوايا العماد سليمان بعد تردده في الالتزام بإعطاء «الثلث المعطل» في أول وزارة له، وقد حدث ذلك خلال لقائه بالسيد حسن نصرالله، ثم تبعه ميشال عون الذي أيد هذه الشكوك شارحاً بتفصيل، القيل والقال، الذي دار بين رفيقي السلاح خلال أول اجتماع لهما في الرابية، وانتهى عون إلى القول: أنا لا أضمن نوايا ميشال سليمان، لكن سليمان فرنجية، وبأسلوبه الخاص المعروف، دافع عن العماد سليمان، وعندما سئل من الحاضرين: هل تضمن بأنه سيعمل على إعطائنا الثلث المعطل في الوزارة؟ رد بحدة: أنا أثق بالعماد ثقتي بجدي، «الرئيس الأسبق سليمان فرنجية» وبوالدي طوني «الذي قتله سمير جعجع مع أمه وأخته الصغرى». ودار نقاش حاد حول الثقة والشكوك حُسِمَ باقتراح تشكيل لجنة ثلاثية من فرنجية وجبران باسيل، ممثلاً لعون، وممثل عن «حزب الله» تجتمع فوراً بالعماد سليمان وتطرح عليه كل ما لديها من أسئلة، وتولى فرنجية فوراً الاتصال الهاتفي بسليمان وتوجهوا جميعاً إلى اللقاء به في تلك الليلة، وهنا حدث الانقلاب المفاجئ.

من خلال أجوبة العماد سليمان عن «امتحان النوايا» ظهر لأعضاء «لجنة التحقيق» الثلاثية أن العماد سليمان يرغب في أن يعزف منفرداً عندما يصل إلى القصر الرئاسي في بعبدا... بمعنى آخر، رفض سليمان إعطاء أي ضمانات جازمة للمعارضة، مما أثار عصبية فرنجية حيث خرج النقاش في بعض جوانبه عن حدود اللياقة الدبلوماسية، وكانت الشرارة الأولى التي أشعلت الحريق تمسك العماد المرشح بوزير الدفاع الياس المر وبضرورة إبقائه في مركزه في الحكومة الجديدة. قيل له: لا مانع شرط أن يكون تعيينه من حصة الموالاة المحسوب عليها. قال: لا... إنه من حصتي الشخصية. فأنا مصمم على أن أحكم، ولن أكون مثيلاً ثالثاً للياس الهراوي وإميل لحود «الرئيسان السابقان في ظل الوجود السوري العسكري في لبنان». ولأكون أكثر صراحة معكم – تابع العماد سليمان – فأنا أنوي تشكيل جبهة نيابية لي حتى أتمكن من الحكم، ونواة هذه الجبهة ستتشكل من نواب جبيل وكسروان والمتن في الانتخابات النيابية القادمة. وبخبث مصحوب ببرودة أعصاب سأله جبران باسيل «ممثل عون»: وماذا ستترك للجنرال عون؟ وببراءة تخلو من الحنكة السياسية أجاب العماد المرشح: نائبان، ثلاثة أو أربعة في أقصى الاحتمالات. وسأله أحد «المحققين» الثلاثة: وماذا عن عودة فؤاد السنيورة كرئيس للحكومة؟ وبالبراءة نفسها قال العماد سليمان: ما عندي مشكلة إذا بقي السنيورة في رئاسة الحكومة. ولم يستطع سليمان فرنجية أن يضبط أعصابه خاصة بعد أن طلب منه أن يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس بشار الأسد للتشاور معه. وكان رد ميشال سليمان: لن أتصل بأحد إلا عندما أُنتخَب رئيساً للجمهورية. كذلك لن أقابل أحداً. فأنا «مرشح الإنقاذ» وقد دعم ترشيحي اللبنانيون والعرب والمجتمع الدولي. عند هذا الحد أنهت «لجنة التحقيق» الثلاثية عملها. وفي اليوم التالي سحب سليمان فرنجية ثقته بالعماد سليمان في تصريح متلفز، وبدأت المعارضة بشن حملة إعلامية بعضها «مفبرك» وبعضها الآخر صحيح بغية تشويه سمعة المرشح العماد. ثم جاءت حادثة كنيسة مار مخايل حيث شعر العماد بأن البساط بدأ يُسحب من تحت رجليه، فاضطر إلى إجراء اتصالات ومقابلات شملت زعماء المعارضة السياسيين والروحيين، ووصلت للمرة الأولى إلى الاتصال بالراديكالي المعارض وئام وهاب مما أثار حفيظة خصمه اللدود وليد جنبلاط الذي بدأ هو الآخر بشن حملة تشكيك ضد ترشيح العماد. وبينما رفض في البداية الاتصال بالرئيس السوري، عاد واتصل به، كما تحدث هاتفياً مع العماد حسن تركماني وزير الدفاع السوري، ومع العماد علي حبيب رئيس الأركان.

وهكذا سقط العماد سليمان في الامتحانين الكتابي والشفهي مع المعارضة والموالاة. لكن «اللجنة الفاحصة» لم تعلن النتيجة بعد.

* كاتب لبناني