على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، عقد وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن لقاء مع وزيرة الخارجية الأميركية، بعد اللقاء خرج وزير خارجية المملكة العربية السعودية سمو الأمير سعود الفيصل مصرحاً «تحدثنا بالطبع عن الملف النووي الإيراني الذي يثير شكوكاً كبيرة لدى الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وإننا نرى بالتأكيد مواجهة قادمة... نحن قلقون جداً».

Ad

الذين يعرفون سمو الأمير سعود الفيصل بهدوئه المثير إن صح التعبير، وتفاؤله الدائم بوجود مخارج للأزمات، وحرصه على انتقاء كلماته بدقة وعناية، يدركون تماماً خطورة هذا التصريح وأبعاده، فليس من عادة الفيصل الإفصاح عن مخاوفه وقلقه بمثل هذه الحدة وبمثل هذه العلانية.

نحن -في الكويت- قلقون جدا أيضا، لأننا -بكل صراحة وكل صدق- نعتقد أن طهران لم تنجح حتى الآن في تخفيف -وليس تبديد- مخاوف المنطقة من أهداف برنامجها النووي، وعدم نجاحها هذا لا يعود إلى ضعف أدائها الدبلوماسي، بل لأن المخاوف من هذا الملف بلغت حداً يصعب معه تهدئتها بتحركات دبلوماسية أو زيارات ودية أو تصريحات صحفية، وهي مخاوف -بكل صراحة وصدق- تتناول مستقبل المنطقة ووجودها.

ونحن -في الكويت- قلقون جدا أيضاً، لأن طريقة تعامل الولايات المتحدة الأميركية مع قضايا المنطقة طريقة تبعث على التشاؤم، والأمثلة أمامنا ما زالت حية ومتطورة ومتفاعلة من التعامل الأميركي مع الوضع العراقي بعد سقوط صدام، إلى التعامل الأميركي مع أفغانستان بعد سقوط طالبان، إلى التعامل الأميركي مع أمن لبنان قبل اغتيال الشهيد رفيق الحريري وبعده. وقبل هذا وفوقه كان التعامل الأميركي مع القضية الفلسطينية منذ عام 1948 حتى الآن، هذه الأزمات كلها لا تدع لدينا هامشاً كافياً للثقة في قدرة الولايات المتحدة على معالجة الملف الإيراني بحكمة وشمولية من جهة، وبحرص كامل على أمن المنطقة وسلام العالم من جهة ثانية.

إن البراهين التي تسوقها أميركا عن سوء نوايا طهران ضعيفة وواهية، تماماً مثل البراهين التي تسوقها طهران على حسن نواياها وسلمية أهداف برنامجها النووي.

وإذا كان تعامل واشنطن وطهران مع الملف النووي يثير مخاوف كل دول المنطقة بشكل خاص، ويثير قلق العالم كله بشكل عام، فنحن -في الكويت- أحرى بأن تكون مخاوفنا مضاعفة وأن يكون قلقنا أكثر شدة وعمقاً، لأننا -حتى الآن- نواجه الخطر المحدق بالمنطقة بجبهة داخلية غير مستعدة، فالتعاون بين الحكومة ومجلس الأمة هش سريع العطب والانتكاس، والانسجام بين الوزراء افتراض لا نجد ما يؤكده، بل إن تعاون الحكم مع ذاته ليس أحسن حالاً، وتعاون القوى السياسية في ما بينها يفتقد معظم القواسم المشتركة ويبقى من دون عمود فقري يسنده، وإذا كان تعاملنا مع القضايا المحلية البسيطة بمثل هذا الأداء، فكيف سيكون أداؤنا تجاه القضايا الكبرى والخطيرة؟

لا ينكر أحد أن الملف النووي الإيراني هو جزء من ملف دولي لا يقف صراعه عند حدود المنطقة فحسب، ولا تقتصر أبعاده على النفط فقط، ولا أزعم شخصياً أن الكويت يمكن أن تدّعي لنفسها دوراً مؤثراً في هذا الصراع، ولكني أريد أن أنتهي إلى حقائق ثلاث لا بد من التذكير بها والدعوة إليها.

الأولى: ان الخطر الذي يحيق بالمنطقة كلها أكبر وأعقد من أن نتعامل معه بطريقة التغافل عنه، وأول شروط التحوط له هو وحدة الصف بتجاوز كل الخلافات وكل الحساسيات وكل الحسابات السياسية والاجتماعية.

والثانية: هي ان مواجهة الخطر وتجاوز الصعاب لا تكونان إلا بالتفافنا جميعا حول الشرعية والدستور والمشاركة الشعبية، فلا يخطر في بال أحد أن المخاوف والمخاطر تبرر أي تجاوز على الدستور ومؤسساته تحت أي شعار كان، فالشرعية عماد خيمتنا والدستور صارية سفينتنا وتلاحم الشعب والحكم هو سياجنا بعد رحمة الله وتوفيقه.

أما الحقيقة الثالثة، فهي أن التنسيق الخليجي -بل العربي أيضاً- بالغ الضرورة لوضع خطة عمل موحدة ذات سيناريوهات متعددة لمواجهة تداعيات الأزمة وانعكاساتها.

وإلى أن نجد تحركاً رسمياً وشعبياً في هذا الاتجاه، وإلى أن نلمس مساعي وطنية جادة لتجميد اختلافاتنا وتجاوز مصالحنا الآنية، ونبذ أساليب التهجم والتهجم المضاد، وسلوكيات الريبة والارتياب المقابل، وإلى أن يتأكد تحصين شرعيتنا ودستورنا ومؤسساتنا ضد المخاطر والأزمات... نحن قلقون وقلقون جداً.