الكويت في حاجة إلى تعبير إعلامي إقليمي وعالمي؛ ينقل أخبار التشاحن السياسي والتنوع الفكري والثقافي وتضارب المصالح بأمانة وحيادية، لكن ينقل أيضاً الأخبار عن النمو الاقتصادي القوي، والسياسة الخارجية المستقرة والبناءة، والحراك الاجتماعي الإيجابي المنفتح، والتطور الحاصل في الكويت على الأرض وفي الإنسان.ثمة قناعة راجت زمناً حتى باتت شبه مُسلّمة في الأدبيات الإعلامية؛ مفادها أن كل مجتمع من المجتمعات يمتلك وسائل الإعلام الجديرة به والجدير بها، وأن وسائل إعلام دولة ما هي انعكاس لقدرة هذه الدولة ومكانتها على الصعد الإقليمية والدولية.
لقد تكرست تلك القناعة عبر العقود والسنين، خصوصاً في عهد الحرب الباردة؛ حيث الفترة التي شهدت أشد الأمثلة وضوحاً على استخدام الإعلام أداة واضحة في المعارك العسكرية والسياسية. وفي تلك الفترة كان العالم يعرف وكالات أنباء عالمية وإذاعات وصحفاً تنتمي الى دول المعسكر الشرقي وأخرى تنتمي الى الغرب، وكل يعمل بوضوح كأداة في الصراع، ويعكس ويترجم على الأرض حالة الدولة التي ينتمي إليها وأهدافها ومكانتها.تغيرت الأوضاع كثيراً منذ العقد الأخير من القرن الماضي؛ إذ نزع العالم نحو الرأسمالية، ووسائل الإعلام غير المملوكة للدول أو ذات الإدارة المنفصلة عن الملكية، الأمر الذي فك، إلى حد كبير، الارتباط بين قدرة الدولة وأهدافها ومكانتها وبين وسائل إعلامها.وجاءت تجليات العولمة في مجال الإعلام لتجعل العالم أشبه بصالة عرض واحدة فيها آلاف الشاشات؛ فبات من الصعب جداً اعتماد تكنيكات بالية كالحذف الانتقائي، أو تشويه الحقائق، أو إخفاء الأخبار والقصص السلبية، فما ستحجبه أنت عن الجمهور سيقدمه عشرات غيرك، وفي اللحظة ذاتها.واليوم يمكن القول ببساطة إن «وسائل الإعلام في دولة ما لا تعكس المكانة الدولية والإقليمية لتلك الدولة»، فضلاً عن أنها قد لا تعبر بالضرورة عن مصالح حكومة تلك الدولة ورؤاها، فقد هذبت العولمة آليات التحكم في المادة الإعلامية، وبات الهامش الذي تتحرك فيه «السياسة التحريرية» لأي وسيلة أضيق من أي وقت مضى.بالطبع ما زال هناك عدد من الدول لم يعترف بعد بتلك التغيرات، ويقاوم الزمن والتطور والتوجه العالمي العام بممارسة آليات السيطرة البالية، لكن المؤكد أيضاً أن جميعنا يعرف أن ذلك لن يطول، وأن الفوائد التي تُجنى جراء استخدام تلك الآليات هي أفدح ثمناً وأقل منفعة واستدامة مما يراد من استخدامها.وفي المحصلة، فإن دولة مثل الكويت تمتلك منظومة إعلامية مميزة، تشكل علامة فارقة في المنطقة لعقود عدة خلت، تقف اليوم، وفق الاعتبارات الجارية، بلا تعبير إعلامي يعكس مكانتها الحقيقية في العالم والإقليم، وينقل عنها الصور الأقرب إلى الحقيقة.عشرات الصحف والإذاعات والتلفزيونات ومواقع الإنترنت والدوريات تعمل اليوم في الكويت، وتعتمد معايير متفاوتة لجهة الاحتراف وجودة الأداء، وتمارس عملها في أجواء تراوح ما بين الانفتاح ومحدودية القيود والمخاطر؛ لكنها، برغم ذلك، لا تعكس واقع الدولة الكويتية أو مكانتها، بل على العكس تكرس صوراً سلبية، وتستدرج إلى أنماط تغطية مبتسرة وغير حيادية في الغالب.لا شك أن بعضنا حاول أن يستعرض العناوين التي ترد عن الكويت في وسائل الإعلام الإقليمية؛ تلك الصادرة في دول «اللحم الحي» ذات التاريخ والخصوصية والبنى الاجتماعية والسياسية المتشابهة، ولا شك أيضاً أن النتيجة كانت (وستكون) دوماً صادمة. فإلى جانب الأخبار الرسمية والبروتوكولية، يظهر الحس الارتيابي وغير المستسيغ للتجربة السياسية/الاجتماعية في الكويت في التركيز على أخبار وقصص ما يمكن تسميته «اعتوارات الممارسة السياسية المنفتحة» وتشاحنات «التعدد» الاجتماعي والثقافي والسياسي.عالمياً، فإن دولة كالكويت ذات كتلة حيوية محدودة، وسياسة تنحو إلى الاكتفاء والاعتيادية، خصوصاً بعد تجربة الغزو العراقي، فإن قصص الجدل السياسي والاجتماعي الحاد، في هذا المجتمع «التقليدي»، وفي هذه المنطقة «البطريركية»، تجد طريقها دوماً إلى صدر الصفحات ومقدمات النشرات.والنتيجة الكثير من الأخبار والقصص في الصحف والإذاعات والتلفزيونات عن «حل مجلس الأمة»، و«تقديم استجواب للوزير»، و«تشكيل حكومة جديدة على خلفية أزمة مع البرلمان»، و«اتهامات بالفساد»، و«أزمة برلمانية بسبب سفور نائبة».هذه الأخبار والقصص مستوفاة الأهمية والجاذبية في آن، ونشرها وإذاعتها ضرورة والتزام مهني وأخلاقي تجاه الجمهور في كل مكان، لكن التركيز عليها وحدها، وملء المساحات كلها بها دون أن يترك مجال لكثير من القصص والعناوين الأخرى ظلم فادح.فما الصورة التي ستصنعها تلك القصص عن الكويت؛ محلياً: اضطراب وغرق في التشاحن، إقليمياً: ثمن النزوع نحو الحداثة، ودولياً: قصص مسلية عن واقع اجتماعي/سياسي في مرحلة انتقال.الكويت في حاجة إلى تعبير إعلامي إقليمي وعالمي؛ ينقل أخبار التشاحن السياسي والتنوع الفكري والثقافي وتضارب المصالح بأمانة وحيادية، لكن ينقل أيضاً الأخبار عن النمو الاقتصادي القوي، والسياسة الخارجية المستقرة والبناءة، والحراك الاجتماعي الإيجابي المنفتح، والتطور الحاصل في الكويت على الأرض وفي الإنسان. الكويت جديرة بتعبير إعلامي يعكس مكانتها الحقيقية لدى شعبها وفي الإقليم والعالم.كاتب مصري
مقالات
مكانة الدولة الكويتية التي لا يعكسها إعلامها
09-06-2007