لم تكن زيارة الرئيس بوش الصغير إلى المنطقة مجرد مهمة علاقات عامة، فقد صرح أنه ناقش رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بشأن قضايا «بالغة الحساسية»، وفسرت بعض الصحف الإسرائيلية هذا التصريح بأنه يتعلق بإيران، وتساءل بعضها ما إذا كان بوش قد منح أولمرت الضوء الأخضر لضرب إيران عسكرياً.

Ad

ومن المرجح أن هذا هو تحديداً ما فعله وأنه ناقش أيضا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ومسؤولين عسكريين واستخباراتيين آخرين مسألة التوقيت، ومن المحتمل أن يكون بوش قد ترك المسألة لمزيد من المشاورات واعتبرها تطبيقاً من تطبيقات فلسفته في مواصلة الضغط على دول الخصم وترك التدابير المحددة ضدها مفتوحة لاتخاذ قرار بقدر ما تسنح الظروف.

لماذا إسرائيل وليس أميركا؟

الإسرائيليون كانوا أكثر تعجلاً من بوش بكثير في ما يتعلق بضرب إيران، فإضافة إلى أن لديهم أسباباً موضوعية تدفعهم إلى تفضيل هذا السيناريو، فهم أيضاً قلقون من إمكان تغيير التركيبة الحكومية القائمة حالياً، وهو ما يفرض تأجيلاً غير مطلوب لهذه الضربة خشية معارضة الرئيس الأميركي المقبل لها، فهم إذن يريدون استثمار بوش الابن قبل أن يرحل.

تدخل هذه كلها في باب الاحتمالات، أما ما يدخل في باب الترجيحات فهو أمران:

الأول، هو أن بوش مصمم على أن يوجه ضربة إلى إيران قبل أن يترك البيت الأبيض، وأنه يريد أن يدخل هذا الإجراء ضمن تراثه السياسي، ولن تمانع نخبة الحكم الأميركية في ذلك، صحيح أن الرئيس لا يتخذ تقليدياً في هذه الفترة قرارات خطيرة ولكن نخبة الحكم قد تفيد من ضربته - ولو غير المباشرة- لإيران وتحمله مسؤوليتها في نفس الوقت باعتباره رئيساً يقضي أيامه الأخيرة في سدة الحكم.

والثاني، أن بوش صار يفضل أن تقوم إسرائيل بهذه العملية بدعم تكنولوجي وإسناد سياسي من جانب الولايات المتحدة بدلاً مما كان يشاع عن أن الولايات المتحدة هي التي ستقوم بالضربة.

ومن الواضح أن إسرائيل لديها عدة مزايا مقارنة بأميركا، في ما يتعلق بالعدوان على إيران:

أولى هذه المزايا هي تجنيب الولايات المتحدة والقوات الأميركية في العراق والخليج عمليات الثأر الإيرانية، فرغم أن الولايات المتحدة ستؤيد ضربة إسرائيلية لإيران، فالأخيرة سوف تكون في موقف لا تحسد عليه، فهي إن تجاهلت الرد على أميركا ستكون قد أظهرت ضعفاً مفاجئاً وهي إن ردت على أميركا ستخاطر بجرها لتصعيد لا تريده ونحو صراع قد يصير «نهائيا» بصورة بالغة الخطر.

ومن ناحية ثانية فإسرائيل تملك ما لا تملكه القوات الأميركية في الخليج خصوصاً في العراق وفي قواعدها في الكويت وقطر والبحرين وهو نظام متميز وكفؤ للدفاع المدني أو السلبي ضد الصواريخ الإيرانية وهي سلاح الردع والثأر الرئيسي لدى إيران.

ورغم ندرة المعلومات الموثوق بها فإن إسرائيل نجحت في تجنب الأسوأ في حروب الصواريخ التي تعرضت لها، وأن الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له من العراق عام 1991 ومن جنوب لبنان و«حزب الله» عام 2006 كان محدود الأثر بفضل نظام الدفاع المدني الكفؤ الذي بنته منذ الخمسينيات فضلاً عن افتقار سلاح الصواريخ للدقة.

وبوجه عام فإسرائيل باعتبارها دولة معسكر تقبل دائماً بالمخاطرة العسكرية وهو ما لا تريده الدولة الأميركية خصوصاً في ظروف انقسام واضح في النخبة حول شن الحروب الخارجية عموماً، ويضاف إلى ذلك بالطبع أن إسرائيل هي من لديه مصلحة حقيقية في ضرب إيران عسكرياً، وأن الرغبة الأميركية في تطبيق هذا السيناريو تستهدف أساساً خدمة المصالح الإسرائيلية، ويعني ذلك أن إسرائيل «أولى» بالقيام بالعملية إن تلقت الضوء الأخضر والدعم المادي والإسناد السياسي من إدارة بوش. وبإيجاز فإسرائيل تريد احتكار السلاح النووي وضرب «حزب الله» والمقاومة الفلسطينية ضربة قاصمة من خلال إيران.

من الهجوم الكاسح إلى الضربة الجزئية

فارق آخر كبير هو أن إسرائيل لا تملك بالطبع القوة الهجومية العاتية للولايات المتحدة، فالتفكير الإسرائيلي سيتجه حتماً إلى ضربة أو سلسلة من الضربات الجزئية التي تستهدف أساساً المواقع النووية الإيرانية، وبدلاً من سيناريو الضربة الشاملة والكاسحة التي فكرت فيها الولايات المتحدة فإسرائيل ستقوم بضربة مركزة لعدد من المواقع الأكثر حيوية في البرنامج الذري الإيراني، ثم تنتظر لتدرس طبيعة الرد الإيراني لتقرر ما إذا كانت سترد على الرد بمزيد من الضربات الجوية أم تقوم بتبريد الموقف مع الوقت، فتتجنب النتائج السلبية لسيناريو الحرب الدائمة.

فإضافة إلى مضاعفة العنف وعدم الاستقرار في المنطقة، فالعالم كله يخشى أن تغلق إيران مضيق هرمز وتوقف صادراتها هي وصادرات عدد من دول الخليج من النفط مما يسبب زلزالاً اقتصادياً عالمياً، ولا يمكن استبعاد هذا السيناريو ولكن المتطرفين في أميركا وإسرائيل يقولون إن إيران لن تستطيع القيام بهذا الرد لأنها «لن تشرب النفط» وستعود حتماً لتصديره خصوصاً أنه عصب الحياة الاقتصادية هناك، ويمكن للغرب أن يخفف من نتائج فترة انقطاع نفطي قصيرة سواء بالاعتماد على مصادر أخرى أو بزيادة الاحتياطي، والواقع أن سياسات ملء خزانات النفط الاحتياطية خلال شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين أنعشت نبوءات ضرب إيران لوضوح الدور المنوط بهذه الاحتياطيات.

ومن ناحية ثانية فالخوف من توجيه الثأر الإيراني نحو أميركا في العراق ليس كبيراً، صحيح أن النخب الشيعية الحاكمة حالياً في العراق موالية لإيران إلا أنه من المنطقي أن تكون موالية لنفسها بدرجة أكبر.

وباختصار يعتقد العقل الاستراتيجي الإسرائيلي أن توجيه ضربة مركزة وأضيق نطاقاً من سيناريو الضربات الجوية الكاسحة التي فكر فيها الأميركيون سيكون أقل السيناريوهات سوءاً لأنه يجعل خيارات الرد الإيراني أكثر صعوبة وأقل ضرراً وقد يحقق نفس العائد السياسي المطلوب.

الرد الإيراني

مقابل هذا التفكير الشرير ماذا سيكون عليه الموقف الإيراني؟ ثمة ثلاث استجابات أساسية لدرء العدوان الإسرائيلي والثأر منه:

أولاً، يجب أن تكون إيران واضحة تماماً بإعلان مبكر أن أميركا تتحمل مسؤولية أي أعمال عدوان إسرائيلي، وأنها -أي إيران- لن تعفي أميركا من هذه المسؤولية تحت أي ظرف من الظروف.

وثانياً، يجب أن تكون إيران واضحة تماماً بإعلان أنها سترد على أي عدوان إسرائيلي بصورة مستدامة أي حرب طويلة الأمد، وهو أكثر ما تخشاه إسرائيل وأكثر ما يعرضها لخسائر حقيقية رغم نظام الدفاع المدني الجيد لديها.

ثالثاً، لابد من تأسيس تحالف عربي وعالمي حقيقي في مواجهة أعمال عدوان إسرائيلي أو أميركي محتمل.

* نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام