إن الإسلام لم يكن له أن يقف كامناً منتظراً على طول الأمد، لم يكن يستطيع أن يظل عقيدة مجردة في نفوس أصحابه يتمثل في شعائر تعبدية لله.

Ad

وقد أراد الله أن تجري المعركة -وهي الأولى من نوعها- بين الكثرة المشركة والقلة المؤمنة. وجاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمبادأة عندما علم أن قافلة لقريش محملة بالبضائع بقيادة أبي سفيان قد خرجت من الشام في طريقها إلى مكة. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخروج إليها وجعل الخروج اختيارياً، فخرج معه ثلاثمئة وأربعة عشر مسلماً، وحينما بلغ أبا سفيان الأمرُ فر هارباً وغيَّر طريقه وأرسل إلى قريش يستنجد بهم ولما علمت قريش تجمعوا بأسلحتهم وعدتهم ليحموا أموالهم، وعلى الرغم من نجاة القافلة صمم أبو سفيان على الحرب، وعزم أن يقيم هو والمشركون ثلاثة أيام عند بئر بدر بعد أن يهزموا المسلمين حتى تعلم كل قبائل العرب قوة قريش فتهابها. وأصبح موقف المسلمين حرجاً لأن عددهم أقل من عدد المشركين.

بدأ الفريقان يستعدان للمعركة، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم فرقة طلائع استخباراتية، على رأسها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأتت الفرقة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بغلامين من قريش فسألهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عدد قريش، فقالوا: لا ندري. فسألهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كم ينحرون كل يوم من الإبل. فقال الغلامان: يوماً تسعاً ويوماً عشراً. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- « القوم في ما بين التسعمئة والألف».

تم تنظيم الجيش وتقسيمه إلى كتيبتين الأولى بقيادة علي بن أبي طالب والثانية بقيادة سعد بن معاذ وجعل الميمنة مع الزبير بن العوام والميسرة مع المقداد بن الأسود والمؤخرة مع قيس بن صعصعة، والقيادة العامة لـ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

وقف النبي صلى الله عليه وسلم يعظ المسلمين ويذكّرهم بالصبر والثبات. وبدأت المعركة صباح يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان العام الثاني للهجرة.

وفي هذه المعركة التقى الآباء بالأبناء والإخوة بالإخوة فنصلت بينهم السيوف فالتقى أبو بكر رضي الله عنه في صفوف المسلمين وابنه عبد الرحمن يقاتل في صفوف المشركين، كذلك كانت الحال بين «أبو حذيفة» من المسلمين وأبوه عتبة بن ربيعة بين المشركين، وكان لصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- مواقف شجاعة ومواهب قتالية عالية. فقد اختفى عمير بن أبي وقاص خلف المقاتلين المسلمين قبل المعركة حتى لا يراه النبي -صلى الله عليه وسلم- ويرده لأنه صغير، أيضاً قاتل عكاشة بن محصن يوم بدر بسيفه حتى انكسر في يده من شدة القتال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه عود حطب فقال «قاتل بهذا يا عكاشة» وعاد المسلمون إلى المدينة وقد نصرهم الله على عدوهم. قال تعالى «ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة» (آل عمران- 123)