بوذا آخر يُـهدَم
يضم وادي سوات ومناطق أخرى في شمال غرب باكستان عدداً هائلاً من المواقع البوذية المهمة. وفي وقتنا هذا أصبحت هذه المواقع جميعها مهددة بالدمار، بفعل قوة ونفوذ الزعيم الإسلامي ملا فضل الله، الذي أسس حماه صوفي محمد واحدة من أشد الجماعات تطرفاً.
كان العالم يراقب في ذهول ورعب كيف قامت قوت «طالبان» بتدمير تمثال بوذا التذكاري في باميان بأفغانستان عام 2001. آنذاك، سارع زعماء السياسة والثقافة من أنحاء العالم كلها إلى إدانة تلك الهجمات. وانهمرت عروض المساعدات. وتساءل الجميع وقتها: «تُـرى هل يكون العالم مستعداً لمواجهة حدث كهذا في المرة القادمة؟» ولكن واحسرتاه، جاءت الإجابة بالنفي القاطع.ففي وادي سوات بشمال غرب باكستان قام مقاتلون إسلاميون مسلحون هناك أخيراً بالهجوم على أقدم وأهم تماثيل الفن البوذي، حيث يرجع تاريخ تمثال بوذا الجالس، المنحوت داخل صخرة يصل ارتفاعها إلى مئة وثلاثين قدما، إلى بدايات العصر المسيحي، ويحتل هذا التمثال المرتبة الثانية من الأهمية في منطقة جنوب آسيا بعد تماثيل بوذا في باميان.
إضافة إلى ذلك فقد كان هذا الهجوم هو الثاني من نوعه خلال مدة تقل عن الشهر. ولقد أشار مرتضى راضفي الصحافي بجريدة «الفجر» الباكستانية إلى أن التمثال الذي تعرض للهجوم لم يكن في منطقة نائية من باكستان، بل كان بالقرب من الطريق المركزي الذي يمر عبر الوادي.ورغم النداءات المتكررة التي وجهها علماء الآثار الباكستانيون إلى السلطات المحلية بالعمل على حماية تمثال بوذا الجالس ومواقع أخرى، خصوصاً بعد وقوع الهجوم الأول، فإن أحداً لم يحرك ساكناً. بل لقد كان بوسع المقاتلين أن ينفذوا جريمتهم -حيث حفروا ثقوباً في الصخر، وقاموا بحشو الثقوب بالمتفجرات، ثم فجروها- في وضح النهار.ولم ينفذوا هجومهم مرة واحدة، بل مرتين. ففي المرة الأولى نجا التمثال من دون قدر كبير من الضرر بسبب عدم كفاءة المقاتلين في استخدام المتفجرات. وفي المرة الثانية كانوا أكثر نجاحاً، فلم يكتفوا بتدمير وجه التمثال فحسب، بل لقد دمروا أيضاً كتفيه وقدميه. وكأن ذلك لم يكن كافياً، فإذا بهم يتحدثون عن هجوم ثالث.عام 1995 كنت أسافر عبر وادي سوات لدراسة الكنوز البوذية في المنطقة. وسواء كانت هذه التحف الرائعة محفورة على جانب جرف صخري أو محفوظة في متاحف صغيرة جميلة، كان المسلمون المحليون الملتزمون بعقيدتهم يفتخرون بهذه التحف ويعتزون بها لأكثر من ألف عام. ورغم أنني امرأة غير مسلمة فقد كان بوسعي أن أتنقل بحرية عبر المنطقة من دون أدنى خوف، وكنت أُستقبل بالترحيب الحار والدعم من جانب السكان المحليين بأشكالهم كافة، وكانوا كثيراً ما يبدون استعدادهم لاصطحابي إلى المعالم البوذية المهمة. أما اليوم، وبعد أكثر من عقد من الزمان بقليل، أصبحت الأجواء هناك مسممة إلى الحد الذي جعل زعماء المجتمع المحلي، بل أفراد الشرطة المحلية، يحجمون عن التصدي لحماية هذه الآثار أو الدفاع عنها باعتبارها ملكاً لهم. ومن المؤسف أن تمر هذه الأحداث من دون أي تغطية تقريباً من الصحافة العالمية، على الرغم من التنديد والإدانة الواسعة النطاق لهذه الجريمة من جانب الصحف الباكستانية.تُرى هل فقدنا قدرتنا على الغضب بعد حرب العراق، وبعد ما رأيناه من صور مروعة لسلب ونهب المتحف الوطني في بغداد؟ أم اننا تعودنا على الأخبار السيئة المحيطة بالحرب ضد الإرهاب، إلى الحد الذي أصبحنا معه غير راغبين في الاستماع إلى المزيد من الأخبار؟يضم وادي سوات ومناطق أخرى في شمال غرب باكستان عدداً هائلاً من المواقع البوذية المهمة. وفي وقتنا هذا أصبحت هذه المواقع جميعها مهددة بالدمار، بفعل قوة ونفوذ الزعيم الإسلامي ملا فضل الله، الذي أسس حماه صوفي محمد واحدة من أشد الجماعات تطرفاً.كانت هذه الجماعة مسؤولة عن إدخال ما يزيد على عشرة آلاف مجاهد إلى أفغانستان للقتال إلى جانب قوات «طالبان» ضد الولايات المتحدة عام 2001. وبينما يُعتقد أن صوفي محمد سجين في أحد السجون الإقليمية، نجد أن ملا فضل الله يمارس أنشطته في حصانة، مستغلاً محطات الإذاعة في نشر رسالة الكراهية والتعصب.لقد آن الأوان كي يتحرك المجتمع الدولي، ليس بتسجيل غضبه واحتجاجه ضد هذا التدمير المتعمد للتراث الثقافي العالمي فحسب، بل بالانضمام أيضاً إلى الشعب الباكستاني الذي يحاول يائساً أن يضغط على حكومته لحملها على التحرك والتصدي لحماية تراثه الثقافي الذي يعود إلى عصور ما قبل الإسلام. إذا لم يتحرك العالم الآن فإننا نجازف بخسارة هذا التراث الثمين الذي يرجع إلى البدايات المبكرة للتاريخ البوذي.فيشاكا ن. ديساي | Vishakha N. Desai* رئيسة جمعية آسيا «بروجيكت سنديكيت/جمعية آسيا» بالاتفاق مع «الجريدة»