الصورة الفوتوغرافيّة تغزو الفنون التشكيليّة

نشر في 13-06-2007 | 00:00
آخر تحديث 13-06-2007 | 00:00
 مذ أعلن العالم الفلكي أراغو نبأ اختراع العالم داجيير آلة التصوير الفوتوغرافي أمام أكاديمية العلوم الفرنسية وحصوله على صورة طبق الأصل باستخدام آلة التصوير (الكاميرا) قامت الدنيا ولم تقعد منذ ذلك الوقت، حتى أصبحنا نعيش في عصر الصورة التي لم تبق مرتبطة فقط بمجالات الميديا ومسيطرة على السماوات المفتوحة والعولمة بل أضحت تخدم الخيال والإبداع الجمالي في الفنون، فضلاً عن مكانتها المتقدمة في مدارس واتجاهات ما بعد الحداثة وما بعد بعد الحداثة والعوالم المتجددة.

أُدرج مصطلح التصوير الضوئي تحت تعريف مصطلح الفن وتمّت مطابقته بأنه كل إنتاج جمالي يعبر عنه نشاط الإنسان المثقف الواعي. وكما أن التصوير مصطلح يعني انعكاسا ومحاكاة وتمثيلاً لشيء ما، حي أو جماد أو خيال، والحصول على الصورة يتم إما بالرسم بواسطة الألوان بمختلف أنواعها الزيتية أو المائية أو بالأحبار أو حتى بمواد كالفسيفساء أو الزجاج الملون أو سواها. لكن نظرة البعض الى المصور الفنان استمّرت أدنى من النظرة الى الرسام الفنان لاعتبارات عديدة منها أن التصوير الضوئي محدود للغاية، فالكاميرا تصور فقط بينما يصور الرسام المرئي والمتخيل، ولا يسع المصور أن يعرف على وجه الدقة ما ستكون عليه الصورة بعد التقاطها لجهة تحقيق القيمة الواجب توافرها في العمل الفني الراقي. كما أن المصور يصور اللحظة والمكان أما الرسام التشكيلي فلديه هامش غير محدود في الحاضر والغائب ومن هنا وهناك، إضافة إلى أن اللمسة المباشرة لليد البشرية تهب العمل سحراً وجمالاً وهذا غير متوافر للمصور الفوتوغرافي مما يولد لديه شعوراً بأنه فنان بدرجة أقل من الرسام.

 

أتكون الكاميرا عدوّاً لدوداً؟

انتاب عدد كبير من الفنانين والأدباء الهلع من إمكان الحصول على صور ضوئية لما يشاهد في الواقع واعتبروا هذه الكاميرا، الآلة الجديدة، العدو اللدود للفن والفنانين وأنها اخترعت خصيصا لمنافسة الرسامين، فصرخ الفنان الفرنسي الكبير ديلاكروا (1798 – 1863) رائد الحركة الرومانسية والاستشراق في فرنسا قائلا «منذ اليوم مات فن الرسم».

وناقش أعضاء البرلمان الفرنسي تلك القضية الفنية أثناء حملة نابوليون بونابرت على مصر عام 1798، وانتهت مناقشاتهم الطويلة التي حضرها بعض المصورين الفوتوغرافيين مؤكدين على أهمية سرعة وصول أخبار الحملة في مصر ومعرفتها في باريس، مقارنة بتمضية الرسام أياماً في رسم المشاهد والحوادث قبل وصولها إلى باريس، وحسمت تلك الجلسات بإقرار الحكومة الفرنسية صرف مكافآت مالية سنوية لداجيير وايزودور تشجيعاً لابتكارهم ودعماً لانتشار التصوير الفوتوغرافي.

ومع بدء النصف الثاني من القرن التاسع عشر اجتذبت المنطقة العربية والشرق رحلات المستشرقين الذين سجلوا بكاميراتهم المواقع الأثرية وأسواق المدن العربية القديمة والمناظر الطبيعية وعرف ذلك بالاستشراق الفوتوغرافي. ويقدر عدد المصورين المستشرقين بنحو 40 مصوراً حتى عام 1880 كما ورد في تقارير التصوير الفوتوغرافي في الشرق الأوسط.

وعلى مرّ الأيام أدّت الصور دوراً مهماً وأخذت مكانتها ضمن النشاط البصري وتبدلت الأحوال وتغيرت النظرة إلى التصوير الفوتوغرافي الذي أفزع الرسامين بالأمس، ليصبح خير عون لهم فاستفادوا منه كوسيلة مساعدة.

 

مكانة في التيارات المعاصرة

أخذت الصور الفوتوغرافية مكانتها ضمن النشاط البصري مع ظهور التيارات الفنية المعاصرة، وأصبحت الصورة محور الفكرة الأساسية في حركة البوب آرت واستثمر إمكاناتها التشكيلية الفنان والمخرج السينمائي الأميركي رائد هذه الحركة أندي وارهول (1928 – 1987) في بداية الستينات من القرن الماضي عندما قدم أعمالا فنية تحرض على الموروث وتستند إلى الملامح الجديدة لمجتمع الأمن والرفاه والاسترخاء إذ لجأ إلى صور زجاجات (الكوكا كولا) وصور علب الصابون (بريللو) وعلب الحساء (كامبل) وصور الدولار والدولارين باعتبارها العناصر والرموز الأكثر شعبية في المجتمع. ولأن الصورة ثابتة قام بتكرارها في صفوف متوالية وجداريات كبيرة تعبّر عن التصنيع والإنتاج الفخم والواقع الاستهلاكي وتعكس إحساساً بالحركة كأنها شريط سينمائي، ولعله استعار فكرة التكرار من مدرسة الباوهاوس الألمانية وفناني العشرينات الذين رأوا الجمال كامناً أيضا في السلع المتشابهة المنتظمة أو لعلهم تأثروا جميعاً بالسبق الحضاري وظاهرة التكرار في الفن الإسلامي.

وعلى النهج نفسه صور وارهول الشخصيات والنجوم أمثال مارلين مونرو واليزابيت تايلور وماوتي تونغ وألفيس بريسلي في لوحات صادماً الذوق العام بجرأته ولافتاً نظر الجماهير.

وجد التصوير الفني الفوتوغرافي استخداماً واسعاً في الدعاية والإعلان والملصقات الدعائية وفنون الطباعة بعامة حتى أصبحت الصورة مرادفاً تفسيرياً يدعم الرسائل الإعلامية وشملت التوعية السياسية والاجتماعية وتبني أفكار صالحة والابتعاد أو الحذر من الأخطار والدعاية الاقتصادية والتجارية. ولنا في الترويج الإعلامي الاحترافي لنمط الحياة الثقافية الأمريكية واعتماده الأساسي على الصورة خير مثال على تلك القوة الهائلة في الصورة وقدرتها على تحريك رجال السياسة والشعوب وتشكيل صياغة معرفية ومعلوماتية، حتى ذهب البعض إلى الكلام عن تمحور الإعلام ومجريات الواقع حول الصورة وإطلاق عبارة «ديكتاتورية الصور».

ومع طرح كاميرات الفيديو المحمولة تجارياً في الأسواق عام 1965 أحدث هذا الابتكار ثورة جديدة في عالم إبداع الصورة، وأضحت الكاميرا في متناول شريحة عريضة من الناس لسهولة امتلاكها وتشغيلها والاستفادة من إمكاناتها المختلفة في التكرار والتحوير والتسريع والتبطيء، ما سمح بإنتاج أفلام تجريبية وظهور جيل جديد من الفنانين ممارسي فن «الفيديو آرت». ولم تمض فترة طويلة على ذلك حتى كانت معارض «الفيديو آرت» منتشرة كتيار جوهري من تيارات ما بعد الحداثة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، إلى بعض التجارب الفردية في معظم مناطق العالم وفيها منطقتنا العربية.

 

ثورة بصرية

لما كان البعض يعتبر أن التصوير مفيد بأداة التصوير (الكاميرا) وبعض التكنولوجيا الكيميائية والضوئية فإن القدرة التكنولوجية الإلكترونية الجديدة وربطها بالطاقة الخلاقة للكمبيوتر أوجدت تحولات في ما يطلق عليه اليوم ما بعد التصوير، محدثة ثورة هائلة لا يتوقف تقدمها في مجالي الاتصال البصري وإبداعات فنون ما بعد الحداثة وتياراتها.

ظهرت قيمة الصورة بكونها مصدر دهشة وإعجاب ولتزاوجها المثير مع التكنولوجيا الصناعية وتكنولوجيا الديجيتال التي ساهمت في خلق لغة تشكيلية جديدة في مجالات الفنون البصرية وأضافت بعداً جديداً إلى عملية التلقي عبر إثارتها الطاقة الخلاقة لدى المشاهد ودعوته إلى المشاركة الإيجابية في العرض والإبداع الفني.

أما التصوير في بلادنا العربية فلم يعرف إلا بعد مرور قرن من ظهوره في أوروبا. أدّت المجلات المصورة والصحف دورا مهماً في التأكيد على أهمية الصورة ثم أصبح لها دور بارز في السينما العربية وانتشار محطات التلفزيون في العواصم العربية. ومع الأيام زاد الاهتمام بالتصوير الضوئي وأضحت له جمعيات من عشاق التصوير وهواته وازدادت شعبيته وانتشاره ليشمل مختلف مجالات الحياة، إلا أنه لم يصل إلى وضعه كشكل فني شأن الفنون التشكيلية الأخرى التي تجمع وتحفظ في متاحف كما هي الحال في أوروبا وأمريكا، إلاّ حين دخل أكاديميات الفنون في كلية الفنون التطبيقية، قسم التصوير الضوئي والتصوير السينمائي وكليات الإعلام ومعاهد السينما وكليات الفنون الجميلة، مرافقاً أقسام الغرافيك. كما دخل المعارض الدولية واستخدم في تيارات الحداثة وما بعدها. إطّلع الشباب على اتجاه معاصر في الحركة التشكيلية العالمية لم يطرقه أحد من بلادهم وسرعان ما تعرفوا إليه ومارسوه داخل معاهدهم الفنية وشهدت ساحة الإبداع الفني التشكيلي العربي زخماً يشمل كل الأفكار الممكنة وميلاد أحد مجالات الإبداع الجديدة المبتكرة.

 

فنانون عرب يختبرون

أصبحت المعارض الدورية الكبرى (صالونات الشباب) والعروض المحلية للفنون التشكيلية في البلاد العربية من أهم التجمعات الكبرى من خلال المجالات الفنية التي استحدثت في المعارض مثل الميديا والتصوير الضوئي والبيرفورمانس (التجهيز في الفراغ) والإنستليشن (الفن المفاهيمي) وكمبيوتر الغرافيك والعمل المركب، فضلاً عن التصوير والنحت والخزف...

نجد في تيارات فنون ما بعد الحداثة في الوطن العربي أن الفنانين العرب الذين درسوا الفن في الغرب هم الأكثر اندماجاً وتفاعلاً في هذا السياق، ونذكر منى حاطوم الفلسطينية الأصل والمقيمة في انكلترا وتعتبر من أبرز ثماني فنانات عالميات طبقاً للإحصاء الفني عام 2005 لقدرتها الفائقة على الابتكار وخلق عالم مختلف خاص بها في فنون ما بعد الحداثة. اكتشفت في أفلام الفيديو (الفيديو آرت) شهرتها ونالت حفاوة وترحيباً لعروضها في أكثر متاحف العالم. وهناك سامية حلبي الفلسطينية التي تعيش في الولايات المتحدة الأميركية منذ فترة طويلة، وتقول في لقاء معها إنها قامت بتصوير حركات الراقصين فوتوغرافياً قبل أن تخضعها للكمبيوتر كي يجردها إلى خطوط أساسية أفقية وعمودية ومائلة متداخلة ثم تحولها إلى رسوم تطبع على ملابس الراقصين فيرى المشاهدون الحركة في الوقت نفسه الذي يرون فيه صورة الهيكل الأساسي لهذه الحركة على الملابس، كما يرون في شكل تجريدي مشابه على شاشة الفيديو العملاقة في خلفية العرض الذي صممته سامية حلبي أيضاً. وتقتني متاحف أميركية عديدة أعمالاً لها إلا أنها لا تجد سبيلها إلى معارضها العامة، خاصة في السنوات الأخيرة، لأسباب سياسية.

 

الخليج

ثمة أيضاً بعض التجارب الخليجية الجيدة من خلال ملتقيات الدوحة الفنية حيث يبرز فنانون كأنس الشيخ من البحرين وحسن مير وأنور سونيا من سلطنة عمان في عروضهم المركبة على الشاشة. وفي المجال نفسه (فن الفيديو) كانت عروض الفنان السعودي فيصل سمرة، المعاصر بجدارة، والمتجذر في حضارته العربية الأصيلة في الوقت عينه ويملك مجموعات فنية يعرضها بين الحين والآخر يعتمد فيها على الصورة الرقمية وينفذها بشرائط الفيديو بعد تمريرها على الكمبيوتر لكي تحدث تحولات يقصدها بعد إجراءات الحذف والإضافة فمنح فن الفيديو إضافة جديدة. وفي الكويت تجارب ناضجة لفنانين أمثال رضا سالم وبدر قبازرد وأخرى واعدة لعلي العوض وجابر أحمد ويوسف المليفي وخالد الغربللي وفاطمة الغديري وعلي الصراف. 

back to top