أسعار النفط الخام عند معدلات تاريخية غير مسبوقة، والأوبك تعد بإجراء مشاورات لبحث زيادة إنتاجها إذا استمرت أسعار النفط فوق 80 دولارا لفترة تتجاوز 15 أو 20 يوما، فما مدى جدية هذا الوعد، وما الذي يمكن للأوبك أن تفعله وهي لا تملك طاقة فائضة للإنتاج.
يبدو أن دول الأوبك غير مجمعة على خطورة المستوى الذي بلغته أسعار النفط الخام في الآونة الأخيرة، فوصول خام تكساس المتوسط إلى 84 دولارا للبرميل وتجاوز برميل سلة نفوط الأوبك 75 دولارا يمثل خطا أحمر يستحق أن تقرع له الأجراس في فيينا، وأن يتداعى من أجله وزراء المنظمة في اجتماع طارئ. صحيح أن الأوبك لا تملك عصا سحرية للتأثير على أسعار النفط في الأسواق العالمية لأن العوامل المحركة لهذه الأسعار هي قوى سوق عاتية تفوق قدرة دول المنظمة، كما أن الطاقة الإنتاجية غير المستغلة لهذه الدول ضئيلة، ومن ثم فان قدرتها على زيادة الإنتاج بمعدلات فعالة محدودة نسبيا، دع عنك أن مشكلة ارتفاع الأسعار غير مرتبطة بشحة راهنة في العرض بقدر ما هي مرتبطة بالمخاوف من شحة عرض مستقبلية. إلا أن دول الأوبك مجتمعة لا تزال هي المنتج الأكبر في السوق العالمية حيث يشكل إنتاجها ثلث الإنتاج العالمي، وبإمكانها من خلال عرض نفوطها بأسعار أقل من الأسعار الفورية أن تؤثر في منحى المعدل العام للأسعار. أما إذا كان صحيحا ما رشح مؤخرا من توجه بعض قادة المنظمة إلى تحديد أرضية جديدة للسعر العادل للنفط عند 60 أو 70 دولارا للبرميل فان ذلك يعتبر مجازفة غير محمودة العواقب، خاصة بالنسبة لدول المنظمة ذات الاحتياطيات الطويلة المدى ومنها الكويت. صحيح أن هناك عدد كبير من المتغيرات التي تبرر جزءا من ارتفاع الأسعار مثل الانخفاض الحاد والمتواصل وغير المسبوق في سعر صرف الدولار الأميركي وهو العملة المعتمدة في تسوية صفقات النفط الخام، ووجود مخاوف دولية من مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، قد تؤدي إلى توقف إمدادات النفط الإيراني، بل وقد ينتج عن تداعياتها إقفال مضيق هرمز وتوقف إمدادات النفوط من عدد من دول الخليج التي تعتمد اعتمادا كليا على هذا المضيق في تصدير نفوطها، وتواصل النمو الملموس في الطلب على النفط من جانب الاقتصادين الصيني والهندي، وأزمة الائتمان العقاري في الولايات المتحدة، وانعدام الاستقرار السياسي في عدد لا بأس به من الدول الرئيسية المصدرة للنفط، فضلا عن المضاربات القوية في الأسواق الآجلة. كل ذلك قد يبرر جزءا من ارتفاع سعر النفط الخام ولكنه لا يبرره كله. لقد كان لارتفاع سعر النفط الخام في عام 1973 بأربعة أضعاف ما كان عليه قبل ذلك، ثم ارتفاعه مجددا في عام 1979 آثار سلبية على نمو الطلب العالمي على النفط، وانطلاق حملات ترشيد استهلاكه، بل والنأي عن استخدامه لصالح بدائل أخرى للطاقة، وسيكون لهذا الصعود الراهن في أسعار النفط، وهو صعود قياسي في مستواه وفي سرعته، آثار انكماشية إضافية على حصة النفط في السوق الدولية لمصادر الطاقة، وقد تنعكس هذه الآثار سلبا على سعر النفط ومبيعاته في المستقبل القريب. لقد دخل التوجه نحو بدائل الطاقة مرحلة جديدة إذ بدأ عدد من دول العالم بالتخطيط للتخلي نهائيا عن الوقود الأحفوري. فقد قررت السويد التوقف نهائيا عن استخدام النفط والفحم بحلول العام 2020. ولقد هالني في الشهر الماضي ما رأيته من مشروعات الطاقة المتجددة على امتداد الطريق الرئيسية التي تربط الشمال الشرقي لاسبانيا بجنوب شرق فرنسا، إذ لا يكاد جبل من الجبال الممتدة على تلك الطريق يخلو من توربينات الهواء، كما لا تخلو مدن وقرى هذين البلدين من لواقط الطاقة الشمسية. ومن المعروف إحصائيا أن اسبانيا والولايات المتحدة تمتلكان في الوقت الحاضر أكبر مجمعات لتوليد الطاقة الشمسية في العالم، كما شرعت كلا من ألمانيا واستراليا مؤخرا في تنفيذ برامج واسعة تزيد من مساهمة الطاقة الشمسية في سد احتياجات اقتصاديهما للطاقة. كل ذلك دون أن نذكر التطور المضطرد في المصادر الأخرى للطاقة مثل الوقود الحيوي والطاقة النووية ومساقط المياه والحرارة الجوفية. إن الأسعار القياسية الحالية للنفط تمثل ضوءا أخضر لحفز تطوير البدائل، وعملية إحلالها محل النفط ، وهذا في الأمد البعيد ليس في مصلحة دول الاحتياطيات الطويلة المدى، ومن صالح هذه الدول سواء كانت في الأوبك أو خارجها أن تبحث عن سبل للجم الصعود القياسي الحالي في الأسعار حرصا على مستقبل مواردها النفطية ، هذا من جانب، أما من جانب آخر، فعلى هذه الدول أن تدعم مجتمعة الجهود العلمية الهادفة إلى تحسين المواصفات البيئية للنفط ومنتجاته، فهذا هو التحدي الأكبر في ظل تنامي الوعي البيئي العالمي. وللحديث بقية.
مقالات
وجهة نظر على الأوبك أن تقرع الأجراس!
26-09-2007