Ad

من خلال تتبعي للعمليات الإرهابية الانتحارية تبين لي ثلاث نقاط أولاها: أن معظم الإرهابين المنتحرين من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاما ويسعون إلى الجنس في الآخر، والثانية: أن معظمهم جاء من الريف العربي حيث الحرمان الجنسي ومنع الاختلاط، وأخيراً، أن بعضهم يتعرض لعمليات إغواء من منظمي العمليات الإرهابية بممارسة الجنس مثلما حدث في العراق، تأسيساً على حالة الهوس الجنسي في المجتمع العربي.

قليلة جداً هي الأبحاث المرتكزة على التحاليل النفسية لشخصيات الإرهابيين المنتحرين. ربما لأن المادة غير متوافرة بما فيه الكفاية. فالانتحاري لا يعود إلى الحياة كي نجري له تحليلاً نفسياً، نكتشف فيه دوافعه إلى الانتحار بتفخيخ سيارة أو بحزام ناسف حول خصره. كما أن الانتحاريين قلّما يفشلون في تفجير أنفسهم والانتحار على هذا النحو العدمي الفظيع والمؤلم. ولعل الإرهابية العراقية ساجدة الريشاوي التي فشلت في تفجير نفسها في فندق «راديسون ساس» في عمان عام 2006 كانت فرصة سانحة لإخضاعها للتحليل النفسي الحديث، للتعرف على دوافعها الفعلية للإقدام هي وزوجها على الانتحار على هذا النحو العدمي المؤلم، لاسيما أنها رفضت تمييز الحكم بالإعدام أو استئنافه، وطلبت من المحكمة تنفيذ إعدامها وكانت زوجة وأماً. فُحرمت أبحاث الإرهاب النفسية في العالم العربي والغربي من هذه الفرصة.

الجنس في حياة الإرهابيين

أنا لا أملك بين يدي دراسات موثقة عن علاقة الجنس بالإرهاب، ولكن من خلال تتبعي للعمليات الإرهابية الانتحارية، استطعت أن أتوصل إلى النتائج التالية:

1 - من الملاحظ أن معظم الانتحاريين الإرهابيين هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20- 30 عاماً. ويبدو أن هؤلاء الشباب المنتحرين لم يتركوا وراءهم حبيبات يبكين على أحبائهن المنتحرين. ومن خلال بعض التحاليل الاجتماعية والنفسية القليلة، نرى أن هؤلاء الشباب المنتحرين يسعون إلى الجنس في الآخرة، بعد أن فشلوا في الحصول عليه في الدنيا.

2 - من الملاحظ أن معظم الانتحاريين الإرهابيين قد جاء من الريف العربي. فأغلب الانتحاريين الإرهابيين في كارثة 11 سبتمبر 2001 جاء من الريف السعودي أو ما يُطلق عليه الأطراف. والريف العربي- وخصوصاً في دول الخليج- مغلق اجتماعياً ومتشدد تجاه اختلاط الذكور بالإناث. في حين أن العواصم العربية والمدن الكبيرة في العالم العربي أكثر انفتاحاً من الأطراف الريفية. فنجد أن معظم هؤلاء الانتحاريين محروم جنسياً، ويريد تعويض هذا الحرمان بالانتحار كي ينعم بحسناوات الآخرة وبنات الجنة الفائقات الحسن، اللائي وُعد بهن.

3 - ومن خلال الهوس الجنسي الذي يعد ظاهرة اجتماعية كبيرة في المجتمع العربي، يلجأ منظمو العمليات الإرهابية إلى إغراء الشباب العربي بالجنس، بأن يقدموا إليهم فتيات جميلات في الحياة الدنيا مقابل القيام بالعمليات الانتحارية، وهذا ما يحصل في العراق. وقد كان الجنس على مدار التاريخ من أهم الحوافز لارتكاب الجرائم. ولعل الفتاوى الدينية المتعلقة بـ «زواج المسيار» و «زواج الفريند» و«الزواج العرفي»، و«زواج الأنس»...إلخ، تبرهن إلى أي حد بلغ الهوس الجنسي الآن بالمجتمع العربي.

الموت في حياة الإرهابيين

نلاحظ أن معظم الإرهابيين المنتحرين عدميٌّ. وأن معظمهم يحتقر الحياة الدنيا، ويسعى مسرعاً إلى الحياة الآخرة. ويقول الباحث الفرنسي في شؤون الأصولية الإسلامية برونو إيتيين مؤلف كتاب «الأصولية الراديكالية»- 1987، و «فرنسا والإسلام»- 1989، و «طريق من أجل الغرب»- 2001، وأخيراً كتاب «هواة نهاية العالم: لكي نفهم أحداث 11 سبتمبر»- 2002، إن الأسباب الكامنة وراء الأعمال الانتحارية للإرهابيين المسلمين كثيرة، ولكن أهمها العامل الديني المحض. «فصورة برجي نيويورك وهما يشتعلان تشبه صورة نهاية العالم، أو يوم القيامة. والواقع أن غلاة الأصوليين يستعجلون الآخرة والانتقال إلى ملكوت الله، تخلصاً من هذه الحياة الدنيا الفاسدة، التي وصفها القرآن في ثلاث سور بأنها لعب ولهو «وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو» (سورة الأنعام: 32)، و (سورة العنكبوت:64)، و (سورة محمد: 36)، وزاد عليها الزينة في (سورة الحديد:20) حين قال «إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة». واستعمل فقهاء الإرهاب، كعادتهم دائماً، هذه الآيات وفسروها تفسيراً حرفياً- كما يفعلون دائماً- فاصلين هذه الآيات عن سياقها التاريخي وعن المجتمع الذي نزلت له، وفيه، ومن أجله. مبتعدين عن النقد التاريخي الذي ننادي به دائماً، والذي يضع النصوص المقدسة في مكانها الصحيح. ولعل الإصلاح الديني الكبير الذي اعترى المسيحية الأوروبية جاء من الالتزام بالتفسير والنقد التاريخي للنصوص المقدسة، والابتعاد عن الحرفية في التفسير.

ولذا، نرى أن لا معنى للحياة في عُرف هؤلاء الإرهابيين المنتحرين. بل إن اندفاعهم إلى الآخرة هو ابتعاد عن الدنيا الموصوفة باللهو واللعب والزينة. ومن هنا يعتبر الإرهابي المنتحر، أن انتحاره هو ابتعاد عن حياة الفسوق والفجور والكفر، وكل ما يمتُّ بصلة إلى الحضارة الحديثة. ويعتقد الانتحاري الإرهابي كذلك، بأن سعيه لتدمير هذا العالم هو في حقيقته استئصال جذور الشر من هذا العالم، ذلك أن يوم القيامة قد اقترب، وهو يسبق هذا اليوم إلى الآخرة، كما يقول هاشم صالح في كتابه (معضلة الأصولية الإسلامية، 2006).

من ناحية أخرى، يرى المفكر التونسي العفيف الأخضر، إن النحر والانتحار في العقيدة الإرهابية الانتحارية هما عبارة عن عقيدة اللامبالاة بآلام الناس، واسترخاص دمائهم، واحتقار حياتهم، ومصادرة مستقبلهم، على مذبح وهم ساذج كتحرير فلسطين حتى آخر ذرة تراب مثلاً، كما تقول «حماس». وهو عرض سريري للبارانويا الهاذية، التي ترى في النحر والانتحار غاية في حد ذاتها، وهواية محببة للنفوس الظامئة إلى السلطة والدم، واستهتاراً بالقيم الدينية والدنيوية.

ومن الملاحظ، أن القدرة الجبارة على النحر والانتحار، متأتية من ضرورة نصرة أفكار الأمة التي آمنا بها، وهي على غرار كهنة إيزيس الذين كانوا يدخلون في هذيان مقدس، فيجرحون أنفسهم وغيرهم لحل الصراعات النفسية التي انفجرت في دواخلهم كالبركان. ولعل هذا التعصب هو أب لجميع انتهاكات حقوق الإنسان والمواطن الآخر. وتتلخص دوافعه في نرجسيتنا، وعبادتنا للأب الاجتماعي المتمثل في الزعيم أو الإمام أو الشيخ المفتي. فلا تعصب من دون زعيم، ولا تعصب من دون العداء للديموقراطية- كما نادى الزرقاوي في العراق وحاول منع الناخبين من الاقتراع- فالديموقراطية تتميز بغياب الزعيم، وتفضل التفاوض والانتخاب على النحر والانتحار.

* كاتب أردني