«من يعتنق حب الأرض، ويهدف إلى العيش طويلاً، سيهتم بها ويصلحها، ومن يرجُ غير ذلك فلن يبالي بإصلاحها، لأنهم زائلون منها قريباً».يوم 17 يوليو 2006 هو يوم مقدس، لا يقل شأنا عن يوم إقرار الدستور الكويتي، ولا هيبة عن يومي الاستقلال والتحرير، يوم نجح فيه الانقلاب على نظام الخمس والعشرين دائرة، بأيد شبابية تبغض تفتيت البلد إلى عصبياته الطائفية أو القبلية أو المناطقية أو الإثنية، وتكافح الغيبيات، وبنضال أرهق الضمائر وأيقظ العقول، بعد أن عاث هذا النظام فساداً في الوطن، وصل فيه التعصب للطائفة والحزب والعائلة إلى أبغض ما يمكن أن يصل إليه. ولست أذكر هذا التاريخ اعتباطاً، ولا لمجرد التوثيق بأنه يوم حزين للكافرين بالديموقراطية، بل للوقوف ضد مبادرات الذين يعيشون حتى الآن في ذهول، عاجزين عن استيعاب نتائج ذلك الانقلاب.
كانت متطلبات خوض العملية الانتخابية لعدد محدد من نواب الأمة قبل الانقلاب، لا تتجاوز وعوداً بتوفير وظائف لأبناء الناخبين، أورحلات مجانية للعلاج أو السياحة، أو علاوة أطفال لعدد يتوقف عند قدرة الزوجات الأربع على الإنجاب، وكان مفهوم المواطنة مشوهاً، تشده مصالح مجموعات صغيرة، تساير كل الاتجاهات إلا مصلحة الوطن، كل منها يسعى ما أمكن إلى أن يتحقق أكبر عدد من تلك الوعود لمصلحتها، واستجابة الأجهزة الحكومية لتلك الوعود الانتخابية، كانت الوقود لاستمرار ذلك الوضع المزري، والدعم المريح لاستمرارية عدد ونوع محدد من ممثلي الأمة في الإنابة لمدة تطول عن غيرهم، ولكن، العودة إلى ذلك الحال أصبح محال.
وهناك من نواب الأمة، ممن أنقذتهم القبلية وأسعفتهم الطائفية والعشائرية، يقفون عاجزين حتى الآن عن استيعاب متطلبات ذلك التغيير الإيجابي، ولأنهم يعون جيداً استحالة العودة، نجدهم يبادرون بتحركات من وقت لآخر، وبكل اتجاه، لا تهدف الى شيء، إلا السعي إلى تقليص الأضرار الناجمة عن ذلك الانقلاب على مستقبلهم السياسي، وأكثر تلك المبادرات بدعة، ما يقوم به البعض منهم بتشكيل تنظيم سياسي يسمى بـ «مجلس العائلة، أو القبيلة»، يضمهم، وآخرين ممن لديهم طموح سياسي، ينتمون جميعهم إلى جنس وتوجه طائفي أو إثني واحد، ولأن النكبة لن تولّد إلا نكبة مثلها، فقد أدى ذلك إلى قيام تنظيم سياسي منافس وتجزئة العائلة بنفس الخطوة والخطايا ذاتها، وكلاهما يروج بأن الهدف من تلك المبادرة لا يتعدى أكثر من حصر للاحتياجات الاجتماعية لأفراد تلك العائلات، وحشد الجهود للمطالبة بتحقيقها، بالإضافة إلى متابعة مصالحهم الاقتصادية.
وهم بذلك يقرون بأن أفراد تلك العائلات هم من القصر، لا ينطبق عليهم مفهوم المواطنة، فلا يحق لهم متابعة مصالحهم بأنفسهم أسوة بالمواطنين الآخرين، بل إن تمكنهم من أي من حقوقهم، لن يتم إلا من خلال مجلس أو تنظيم عائلي، مختزلين أدوارهم في العمل النيابي إلى تحقيق مصالح فردية لأفراد عائلاتهم، واهمين بأنهم سيتمكنون من ممارسة العمل النيابي ضمن الدوائر الـ 5، على سياق ونمط العمل ضمن الدوائر الـ 25، على مجموعة محددة من العائلات الكوتيية، في حين أن القصد هو التآمر على الديموقراطية الكويتية.
ومن يقبل من أفراد تلك العائلات بذلك، سيقر بأنه قاصر، وسيشارك في سلخ تلك الأسر الكويتية عن جسد الوطن، وسيقبل بأن يُستخدم معولاً لهدم الديموقراطية، وسيحلل الرشوة للقبول بالخطيئة بحق هذا البلد. إلا أن هناك من أفراد تلك الأسر من شارك في الانقلاب، وغيرهم من يملك ذكاء الإحساس والضمير، أمثال مجموعة عوائل الكنادرة الذين حددوا موقفهم في بيانهم الصادر في جريدة «القبس» في الثاني من يوليو الجاري، مدركين جميعهم أن الفساد ومساعي تمزيق الوطن هما أشد أعداء الديموقراطية وما تنطوي عليه من أهداف سامية تحتضن مفهوم المواطنة تحت سيادة القانون. لذا يتعين على كل منا في موقعه التصدي لعمليات التفتيت لهذا الوطن الصغير، حتى لو تسلقها بعض من يتظللون بلافتات تحمل عناوين دستورية.