... ولأصبحت الأحزاب في أيدينا اليوم!
خلال الأعوام الستة الماضية أدركت العناصر البرلمانية الناشطة أهمية الحاجة إلى العمل من خلال الكتل، وحاولت ولاتزال إحياءه في البرلمان، واليوم أيضا نشهد اقتراحات قوانين لإشهار الأحزاب. أول العمود: في أي قضية تشغل الرأي العام المحلي يكون السؤال السطحي: أنت مع أم ضد؟ وهو سؤال للتصنيف والفرز، ويضعف الحوار. *** سؤال نطرحه للمناقشة: استناداً إلى الوضع الذي فرضه نظام الدوائر العشر الذي بدأ العمل به منذ العام 1961 حتى قبل انتخابات عام 1981، ذاك الوضع الذي فرض نمطاً من العمل الانتخابي المعتمد على الكتل السياسية (كانت في معظمها قومية)، وتجنيد جمعيات النفع العام واتحاد العمال واتحاد الطلبة في تلك الحقبة. استناداً إلى ذلك نتساءل: ماذا لو امتد العمل بالدوائر العشر بظروفها وحيويتها حتى يومنا هذا؟ هل سنكون اليوم أمام أحزاب مشهرة، أو جمعيات سياسية كما هي الصيغة البحرينية اليوم، تعمل وفق القانون، على اعتبار أن 25 عاما، وهي مدة العمل بنظام الدوائر الـ25 «منذ عام 81 حتى 2006»، كأنها لم تكن؟ أظن أننا سنكون اليوم أقرب إلى الصيغة الحزبية إن لم نكن منغمسين بها! نظام الدوائر الـ25 دمر أشياء كثيرة في الحياة السياسية الكويتية منذ أن دعا الناخبون إلى المشاركة بموجبه في 23 فبراير 1981. «راجع مداخلات النواب في جلسة إقرار القانون في مضبطة المجلس فبعضهم مرشحون اليوم». ولو قدر لنظام الدوائر العشر الاستمرار مع معطياته السياسية التى بلورت كتلاً سياسية فاعلة آنذاك لتغيرت خريطة العمل السياسي في الكويت، بحسب أن الدوائر الانتخابية كانت أكبر وأوسع وتتطلب التكتل لخوض الانتخابات، إلى حين مجيء نظام الـ25 دائرة الذي فتّت المجتمع وفرز الطوائف والمذاهب والقبائل، وأصبح دخول البرلمان يأتي بحفنة من الأصوات ومن دون حاجة الانضمام إلى تكتلات. في زمن الدوائر العشر كان هناك التجمع الوطني بقيادة جاسم القطامي، والتجمع الديموقراطي بقيادة د.أحمد الخطيب، وكانت هناك جمعيات فاعلة كنادي الاستقلال وجمعية المعلمين وجمعية الخريجين والمحامين واتحاد العمال واتحاد طلبة الكويت وغيرها... كانت هناك بذور للأحزاب، وعندما عمل بنظام الدوائر الـ25 لم يعد هناك من أثر للعمل وفقاً للكتل لأن أوصال الدوائر «حاضنة الكتل السياسية»، تم تقطيعها بالقانون! لنتناول هذا المثال: في انتخابات الفصل التشريعي الأول عام 1961 كان نصيب الفائز الأول في دائرة الشرق «منصور موسى المزيدي» 848 صوتاً والفائز الثاني «محمد رفيع معرفي» 487 صوتاً، ويمثل الدائرة الفائزون الخمسة الأوائل بحسب النظام العشري للدوائر آنذاك. أما أول انتخابات أجريت حسب نظام الدوائر الـ25، دائرة الشرق نفسها التي يتطلب تمثيلها اثنين فقط فكانت كالتالي: الفائز الأول «عدنان عبدالصمد» 456 صوتاً، والفائز الثاني «خالد الجميعان» 376 صوتاً. لاحظ فرق عدد الأصوات بين انتخابات النظامين العشري والخمس والعشرين خلال 20 عاما. فأي كتلة أو حزب يحتاجه جني هذا العدد البسيط من الأصوات؟ خلال الأعوام الستة الماضية أدركت العناصر البرلمانية الناشطة أهمية الحاجة إلى العمل من خلال الكتل، وحاولت ولاتزال إحياءه في البرلمان، واليوم أيضا نشهد اقتراحات قوانين لإشهار الأحزاب... هذا بعد انقطاع قسري دام ربع قرن بترت فيه بذور الحياه الحزبية في الكويت. ويأتي نظام الدوائر الخمس اليوم ليعيد -بحسب الواقع العملي- الخوض في ملف الأحزاب مرة أخرى، بل إن شرائح اجتماعية ترهن فوزها في الانتخابات بضرورة الدخول في اللعبة الحزبية وعلى رأسها المرأة. باختصار نحن نعيش اليوم «حوار الأحزاب» الذي بدأ عام 1961، وانتهى عام 1981، وبدأ مرة أخرى عام 2008، فمتى تولد الأحزاب في الكويت؟