زيادة وغلاء... خطوة للأمام خطوتان للوراء
الزيادة المرتقبة على الرواتب والأجور لا معنى حقيقياً لها في ظل غلاء المعيشة المتزايد وعجز الحكومة عن اتخاذ إجراءات وسياسات اقتصادية فعالة للحد منه، فما سيُعطى باليد اليمني سيسترد باليسرى.
من المفترض أن تعلن الحكومة في الأسبوع المقبل عن الزيادة التي وعدت بها على أجور ورواتب موظفي الدولة والتي طلبت دراستها من البنك الدولي على الرغم من تحفظ البنك على زيادة رواتب موظفي القطاع الحكومي. وقد تساءلنا، في مقال سابق، عن السبب الذي جعل الحكومة تستعين بالبنك الدولي لدراسة نظام الأجور والرواتب لموظفي الدولة، وحيث إن ديوان الخدمة المدنية لم يُجب عن سؤالنا حتى الآن فها نحن نكرره: لماذا البنك الدولي هو الذي يتولى دراسة نظام الأجور والرواتب في دولة الكويت؟على أن المؤسف حقاً أن هذه الزيادة المتوقعة على الرواتب تأتي في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار السلع والمواد الاستهلاكية والإنشائية، والزيادة غير الطبيعية لأسعار العقار السكني الخاص، كما تأتي في ظل عجز الحكومة والمجلس عن تبني سياسة عامة مناسبة لضبط غلاء المعيشة الفاحش الذي تتحكم فيه، بلا شك، اعتبارات عدة منها التضخم المالي وزيادة أسعار النفط وظروف وآليات السوق المحلي والعالمي.ليس ذلك فحسب، بل إن المستمع للتصريحات الحكومية التي تبرر غلاء المعيشة بالقول إن زيادة أسعار السلع والخدمات عالمية لا دخل لنا بها، وإن التضخم موجود في دول العالم كلها، يخرج بانطباع أن الارتفاع الحالي لأسعار السلع والمواد هو قدر محتوم وما علينا سوى الاستسلام له وتقبل الأمر الواقع! وهذا بالطبع مجافٍ للحقيقة وللمنطق لأن الحكومات التي تواجه مثل هذه المشاكل الاقتصادية عادة ما تضع سياسات عامة محدده لمنع حدوثها وللحد من آثارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهناك مجموعة إجراءات اقتصادية تحد من زيادة معدلات التضخم، وهناك سياسات معينة تحد من الزيادة غير الطبيعية في الأسعار ومنها منع الاحتكار وتشجيع المنافسة (لنأخذ شركات الهواتف المتنقلة في الكويت مثالاً هنا)، ومطالبة التجار، خصوصاً تجار التجزئة، بتحديد أسعار السلع والمواد الاستهلاكية وإعلانها للمستهلك وتحديد نسبة الزيادة السنوية الطبيعية التي من المفترض إضافتها على هذه الأسعار. هذا إضافة إلى التحكم في عمليات التصدير والاستيراد، خصوصاً للمواد الضرورية اللازمة للاستهلاك المحلي، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار المحلي وتوفير التسهيلات اللازمة له لأنه سيظل أفضل وأرخص في الأحوال كلها من المستثمر الأجنبي. كما تشتمل السياسات العامة الحكومية أيضاً على حماية ذوي الدخول المحدودة من خلال زيادة السلع التموينية التي تدعمها الدولة.علاوة على ذلك فان السماح بإنشاء منظمات أو جمعيات غير حكومية لحماية المستهلك، ستساهم بشكل كبير في زيادة وعي المستهلك وحمايته من الغش التجاري ومساعدته على مواجهة غلاء المعيشة. وهكذا فإن الحكومة ومن خلال السياسات الاقتصادية الفعّالة والرشيدة تستطيع التحكم في عملية ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وتقلل من قسوتها خصوصاً على أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة وليس صحيحاً البتة أن ذلك قدر محتوم علينا تحمله. من هنا... فإن الزيادة المرتقبة على الرواتب والأجور لا معنى حقيقياً لها في ظل غلاء المعيشة المتزايد وعجز الحكومة عن اتخاذ إجراءات وسياسات اقتصادية فعالة للحد منه، فما سيُعطى باليد اليمني سيسترد باليسرى. لذلك فإن هذه الزيادة، في الحقيقة، ستكون بمنزلة تعويض عن جزء بسيط فقط من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الإنشائية، وسيبقى الجزء الأكبر ليلتهم ما يتبقى من الراتب. لذا فإن على الحكومة أن تعلن، وبالتزامن مع إعلانها عن زيادة الرواتب، عن سياساتها الاقتصادية المفصلة للحد من غلاء المعيشة وانفلات الأسعار حتى يكون لزيادة الرواتب معنى حقيقي.