الدراسات المعلنة في الوطن العربي تشير إلى أن نسب الأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي تتراوح ما بين %25 في السعودية والخليج و%15 في مصر وشمال أفريقيا. والمخاطر تتعدى الأضرار الجسمانية والعضوية مثل اضطرابات النمو وانتقال الأمراض الجنسية وغيرها، فالمخاطر الرئيسة تتركز في الأضرار النفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة.

Ad

حين يتعرض الطفل لتحرش أو اعتداء جنسي في عمر مبكر، فإن ذلك يحفر في نفسيته مفهوماً مشوهاً للجنس يؤثر في حياته الجنسية عندما يبلغ، فينتج عن ذلك سلوكيات شاذة وغير طبيعية. الأخطر أن الطفل قد يعرف هويته كأداة متعة للآخرين فيجعل من الدعارة نهجاً يتماشى مع الهوية التي يشكلها الاعتداء في نفسيته البسيطة، وعندما لا يجنح الطفل إلى هذه الاتجاهات المتطرفة فإنه سيجد وسيلةً لإقناع نفسه بأنه مسؤول عما حدث له، وهذا سيؤدي إلى شعور بالذنب والعار يفقده احترامه لنفسه ويبعده عن محيطه الاجتماعي، لذا يعاني هؤلاء الأطفال الخجل المفرط وضعف الثقة بالنفس والانطوائية والعدوانية أحياناً.

عندما يأتي الاعتداء من أحد الأبوين فإن الأضرار النفسية تصبح أعمق وأخطر أثراً، فعقل الطفل يترجم أي تصرف من الوالدين كمؤشر لحبهما، وعندما يعتدي الأب على طفله الذي يفترض فيه أن يحميه ويرعاه فإن الطفل -رغم رفضه وكرهه للاعتداء- يترجم ذلك في عقله الباطن كتعبير عن الحب، لذا نجد الطفل ذاته يكرر ذلك السلوك الشائن نفسه مع أبنائه رغم وعيه بالخطأ وبآثار ما فعله والده في حياته وشخصيته.

عندما تتكرر هذه التجارب الشخصية بالنسب المريعة التي تشير إليها الدراسات، فإن الأضرار النفسية تتحول إلى ظواهر اجتماعية خطيرة، فعند تحليل الظواهر التي «يزخر» بها مجتمعنا مثل انتشار المخدرات وإدمان الكحول وارتفاع معدلات الطلاق وعنف الشباب والتطرف والشذوذ والمثلية الجنسية وغيرها، لا يمكن استبعاد التحرش الجنسي كأحد -إن لم يكن أهم- العوامل لانتشار تلك الظواهر. وعدم قدرة الشباب على التعامل بشكل صحي مع المجتمع وضغوط الحياة، وضياع هويتهم الشخصية والجنسية، ومحاولة هروبهم من الواقع بشكل مرضي، جميعها قد تكون نتاج التعرض للتحرش الجنسي في طفولتهم على يد أحد الأقارب أو المعارف أو إمام المسجد أو أي شخصية أخرى في محيطه قادرة على كسب ثقته.

ولكن لا يمكننا ربط تلك الظواهر من دون دراسة مستفيضة تغطي كل شرائح المجتمع لنرى عمق الظاهرة وطبيعة علاقتها بالمشاكل الاجتماعية الأخرى، وحتى ذلك الحين لابد من اتخاذ إجراءات وقائية لحماية أطفالنا من عبث الآخرين، والوقاية تأتي بالمعرفة أولاً. وهنا أضم صوتي إلى الدكتورة السعودية شروق الفواز التي تدعو إلى إدراج التوعية الجنسية «ضمن المناهج التعليمية وفي الصفوف الدنيا قبل العليا باعتبار أنها جزء لا يتجزأ من سلامة الإنسان وصحته، وعدم السماح لبقعة الجهل العميقة التي نتخبط فيها بأن تُستغل لاقتناص الطفولة واغتصابها، فجهل الأطفال بهذه القضية الحساسة وتداعياتها عليهم، وافتقارهم إلى الثقافة المناسبة التي تعينهم على اللجوء إلى من يساعدهم إذا ما اضطروا إلى ذلك، أحد أهم أسباب انتشارها تحت السطح وتمددها من دون أن تمسها يد القانون أو تفلح الأنظمة في استيعابها ضمن قوالبها الثابتة». (صحيفة الرياض – 26/1/2007)

ثانيا: تتطلب الوقاية علاقات صحية مع الأبناء تسمح لهم بمخاطبة الوالدين أو أحدهم عند تعرضهم للتحرش أو أي مواقف غير مريحة، لذا لابد من تثقيف الآباء وتدريبهم على أسس التربية السليمة الكفيلة بحماية أبنائهم، ويحتاج الوالدان وأولو الأمر إلى معرفة مؤشرات التعرض للتحرش أو الاعتداء لدى الأطفال لاكتشاف الحدث بأسرع ما يمكن والسيطرة على الأضرار الممكنة، كما يتطلب الأمر تقليص دور العمالة المنزلية ووضع الضوابط اللازمة لحماية الأطفال والأسرة.

وثالثا: تتطلب الوقاية حماية قانونية واضحة وصارمة وأجهزة اجتماعية مساندة، وذلك يعني إيجاد قوانين بتعريفات واضحة لما يعتبر تحرشاً وما يعتبر اعتداءً، وبأدوات وأجهزة صارمة قادرة على انتشال الأطفال من البيئات المريضة ووضعهم في جو أسري صحي قادر على مداواتهم، ولنا في التجربة السعودية خير مثال، فقد أنشأت وحدة الحماية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية السعودية «مركزا متحركاً لاستقبال المعلومات» والشكاوى المقدمة عن العنف الأسري والبلاغات عن التحرش الجنسي بين المحارم يعمل على مدار الساعة أسوة بدوريات النجدة، ويخدم مناطق السعودية كلها، بالإضافة إلى خط ساخن على رقم مجاني متوافر للجميع لتلقي الإرشاد الاجتماعي والتبليغ عن الحالات.

هل سيأتي اليوم الذي تأخذ فيه وزارة الشؤون الكويتية بزمام مبادرة مشابهة؟ رمضان كريم... ويحق لنا أن نحلم!