ملاحظتان!!

نشر في 13-01-2008
آخر تحديث 13-01-2008 | 00:00
 صالح القلاب

هناك ملاحظتان كان يجب على عمرو موسى أخذهما بعين الاعتبار قبل أن يبدأ مهمته اللبنانية: الأولى أن الرئيس بشار الأسد أصرَّ منذ البداية على أن ما صدر عن الجامعة العربية هو مجرد «بيان» وليس قراراً ولا خطة ولا مبادرة، والثانية أن سورية أبدت كل هذه المرونة لأنها تريد إنجاح القمة العربية التي من المفترض أن تنعقد في دمشق آخر شهر مارس المقبل.

ملاحظتان كان يجب أخذهما بعين الاعتبار قبل أن يبدأ الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى مهمته اللبنانية وهاتان الملاحظتان هما:

الأولى، أن الرئيس بشار الأسد أصرَّ منذ البداية على أن ما صدر عن الجامعة العربية وحمله عمرو موسى معه إلى بيروت وتفاوض مع كل الأطراف المتصارعة والمختلفة على أساسه هو مجرد «بيان» لهذه الجامعة، وليس قراراً ولا خطة ولا مبادرة، ولعلّ ما يجب التوقف عنده في هذا الخصوص هو أن وجهة النظر السورية هذه قد أبلغها وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى زملائه وزراء الخارجية لكنهم لم يأخذوا بها واستمر الأمين العام يتحدث مرة عن خطة ومرة عن قرار ومرة أخرى عن مبادرة!!

الثانية، أن وليد المعلم بمجرد عودته من القاهرة إلى دمشق أطلق تصريحات، قوبلت حتى من وسائل الإعلام بالتجاهل، قال فيها بكل وضوح وصراحة إنه لا يمكن أن تتخلى سورية عن مصالحها مقابل انعقاد القمة العربية التي من المفترض أن تنعقد في العاصمة السورية في الثلاثين من مارس المقبل، والتي تحرص القيادة السورية حرصاً شديداً على حضورها من قبل كل القادة والزعماء العرب.

هناك فرق كبير بين أن يكون ما صدر عن الجامعة العربية «بيان» أو قرار أو مبادرة أو خطة، فإصرار سورية على أن هذا الذي صدر عن وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير، الذي جاء «تلبية» لدعوة ثنائية من قبل مصر والمملكة العربية السعودية، هو «بيان» وليس قراراً ولا مبادرة ولا خطة، يعني أنها تحاول لتحاشي إلزام نفسها وإلزام حلفائها في لبنان بموقف لا يستجيب لكل ما تريده ولكل ما يسعى إليه هؤلاء الحلفاء الذين مشكلتهم مع الطرف الآخر، تحالف «الرابع عشر من آذار» لا تقف عند مجرد اختيار رئيس الجمهورية سواء كان قائد الجيش ميشال سليمان أو غيره.

لقد أعلن وليد المعلم وهذا كان أبلغ به وزراء الخارجية العرب، خصوصاً الذين التقوا في منـزل الأمين العام عمرو موسى، أنه تلقى تعليمات من الرئيس بشار الأسد بأن اعتبار ما صدر عن مجلس الجامعة العربية هو بمنزلة قرارٍ وليس بياناً يشكل سابقة ويعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية لدولة عربية، وأنه من أجل هذا يجب أن يكون هذا الذي صدر هو مجرد وجهة نظر أجمع عليها العرب، ولذلك فإنها غير ملزمة للأطراف اللبنانية المختلفة وبإمكان أي طرف من هذه الأطراف تفسيرها التفسير الذي يتلاءم مع مواقفه ووجهات نظره.

هذا بالنسبة للملاحظة الأولى أما بالنسبة للملاحظة الثانية فإن المعروف أن هناك تحليلات جرى تداولها على نطاق واسع تحدثت عن أن سورية قد انتقلت من السلبية إلى الإيجابية، وأنها أبدت كل هذه المرونة لأنها تريد إنجاح القمة العربية التي من المفترض أن تنعقد في دمشق آخر شهر مارس المقبل، والتي يعوِّل عليها المسؤولون السوريون، وعلى رأسهم وفي مقدمتهم الرئيس بشار الأسد لإظهار سورية على أنها ليست معزولة، وأنها استعادت موقعها العربي السابق، حيث كان دورها في هذا المجال من الأدوار الرئيسة في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.

وكانت بعض المعلومات، التي جرى تداولها على نطاق ضيق، قد تحدثت عن أن المملكة العربية السعودية قد قررت عدم حضور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز هذه القمة ما لم يحضرها رئيس لبناني منتخب بصورة توافقية وصلاحيات كاملة، وهنا فإن الواضح أن هذه المعلومات قد أغضبت دمشق وأن هذا هو الذي جعل وليد المعلم يقول إن قمة نهاية مارس المقبل هي قمة عربية وليست قمة سورية، ولذلك فإنه لا يمكن أن تساوم سورية على مصالحها من أجل انعقاد هذه القمة وحضورها من قبل كل القادة والزعماء العرب.

إن هذا الكلام واضح وضوح الشمس، فسورية معنية كثيراً في انعقاد هذه القمة في دمشق وفي موعدها المحدد وبحضور كل قادة وزعماء الدول العربية، ولذلك فإنها من أجل هذه الغاية ربما لم تعد متمسكة بموقفها السابق، الذي هو موقف حلفائها اللبنانيين، إزاء موضوع الاستحقاق الرئاسي ومسألة من هو رئيس لبنان المقبل وكيفية اختياره، لكن ومع ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أن لها مصالح كثيرة في لبنان من بينها المحكمة ذات الطابع الدولي وإعادة صياغة التركيبة الطائفية اللبنانية، ولهذا فإنها تقول إنها غير مستعدة لمقايضة ضمان انعقاد قمة القادة العرب بمصالحها في لبنان... وهذا هو الذي يجعل مهمة عمرو موسى غير مضمونة النجاح، ويجعل نهاية «بيان» الجامعة العربية نهاية للبيانات التي أصدرتها هذه الجامعة على مدى عمرها الطويل.

* كاتب وسياسي أردني

back to top