Ad

مشكلة باكستان أن ظاهرة الإسلام السياسي الأصولي المتطرف غدت قوة موازية للسلطة في هذه الدولة المسلمة، و هي تعتمد على الولاءات القبلية والعشائرية من خلال التحالف مع «طالبان» و«القاعدة» والقوى الباكستانية «الخفية» المسؤولة عن إدارة تجارة المخدرات في تلك المنطقة، والتي أصبحت تشكل خطراً على السلطة والحكم.

لن يكون اغتيال بينظير بوتو يوم الخميس الماضي الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة الجهنمية التي بدأت بذلك الانقلاب العسكري الذي نفذه الجنرال محمد ضياء الحق ضد ذو الفقار علي بوتو في عام 1977، ثم إعدامه في عام 1979، فبوابة الشر التي انفتحت في باكستان في وقت مبكر غدت أكثر اتساعاً وخطورة بعد هذا الاغتيال، والمؤكد أن هذه الدولة الإسلامية التي أنشأها محمد علي جناح في عام 1947 رغم رغبة وإرادة قائد استقلال شبه القارة الهندية المهاتما غاندي باتت بعد هذا الذي جرى تنتظر أياماً حالكة السواد وتطورات حاسمة خطيرة.

إن عدم استقرار باكستان، التي أصبح عمرها الآن نحو ستين عاماً، يعود لأسباب كثيرة من بينها أن الحكم بقي فعلياً في أيدي جنرالات الجيش وأن كل محاولات انتزاع السلطة من الثكنات العسكرية باءت جميعها بالفشل وكانت نهاية بعضها مأساوية، وعلى غرار ما حصل مع والد بينظير ذو الفقار علي بوتو الذي أسس حزب الشعب في عام 1967 اعتراضاً على نظام الجنرال أيوب خان ورفع شعار: «الإسلام عقيدتنا، الديموقراطية سياستنا، الاشتراكية اقتصادنا... والسلطة للشعب».

لم تستقر باكستان على الإطلاق، فهي بقيت من انقلاب عسكري إلى انقلاب جديد، ومن أزمة سياسية عاصفة إلى أزمة سياسية جديدة، وهذا كله على مدى سنوات ستين عاماً تخللتها ثلاث حروب طاحنة مع الهند، ولعل أسوأ ما حدث أن الأصولية الإسلامية المتطرفة قد وجدت في هذه البيئة المزعزعة والمتقلبة المناخ الملائم لتصبح قوة هائلة غدت تفرض نفسها بالدماء والحديد والنار على الحياة السياسية الباكستانية.

كانت باكستان بعد إنشائها في عام 1947 مباشرة على موعد مع أفكار الإسلامي التكفيري المتشدد أبو الأعلى المودودي، الذي جاء مع من جاء مهاجراً إلى هذه الدولة الإسلامية «الحـُلم» من الهند، ولقد تنامى هذا الفكر واتّخذ أشكالاً تنظيمية متعددة، بعضها ذو طابع عسكري وأصبح له مدارس «جهادية» وصل عددها إلى أربع وخمسين ألف مدرسة من أنماط مدارس «الكتاتيب»، وقد اشتدّ نفوذه بعد احتلال القوات السوفييتية أفغانستان في عام 1979، وأصبح حاضنة معظم فصائل المقاومة الأفغانية ومنه خرجت حركة «طالبان» بمساندة الاستخبارات العسكرية الباكستانية، وإليه لجأت «القاعدة» بعد سقوط دولة الملا عمر الطالبانية.

أرادت الولايات المتحدة ومعها المعسكر الغربي كله إقامة سدٍّ في وجه المد الشيوعي الذي وصل إلى ذروة تناميه بوصول بابراك كارمال زعيم جناح «برشام» في حزب «خلق»، الذي كان أسسه نور طرقي وورثه منه بالقوة العسكرية حفيظ الله أمين، إلى سدة الحكم في كابل وأرادت أن تفجر الاتحاد السوفييتي من الداخل بإيقاظ إسلام الجمهوريات الإسلامية السوفييتية فبادرت إلى دعم تنظيمات الفكر الجهادي الأصولي في باكستان وأفغانستان وغدت «بيشاور» قاعدة متقدمة لهذا الفكر في اتجاه الدولة الشيوعية الأفغانية.

وإن ما زاد الأمور سوءاً وأدى إلى استفحال ظاهرة التطرف الإسلامي هذه هو أن جنرالات باكستان قد أدخلوا تنظيمات هذه الظاهرة على خط الصراع على السلطة، سواء بين بعضهم بعضاً أو بينهم وبين الأحزاب والقوى الليبرالية التي يأتي في مقدمتها حزب الشعب الذي فقد زعيمته يوم الخميس الماضي في انفجار ثبت أن المسؤول عنه هو المدعو بيت الله محسود الذي وصفته المصادر الرسمية الباكستانية بأنه أحد كبار المسؤولين الباكستانيين في تنظيم «القاعدة».

والآن وقد تلقت باكستان هذه الضربة الموجعة بينما الانتخابات التشريعية باتت على الأبواب، فقد تأكد أن ظاهرة الإسلام السياسي الأصولي المتطرف غدت قوة موازية للسلطة في هذه الدولة الإسلامية، وأنها معتمدة على الولاءات القبلية والعشائرية من خلال التحالف مع «طالبان» و«القاعدة» والقوى الباكستانية «الخفية» المسؤولة عن إدارة تجارة المخدرات في تلك المنطقة، والتي أصبحت تشكل خطراً على السلطة والحكم... وهذه هي مشكلة باكستان!!

* كاتب وسياسي أردني