الفساد ليس آلة ميكانيكية نشغلها ونوقفها متى شئنا والفساد ليس قطعة أثاث نحركها بالزاوية التي نريد أو نرميها إذا ما انتفت الحاجة إليها. الفساد إنسان له طعم وله لون وله رائحة وله هوية يحملها معه فطعمه علقم مر لا يطاق ولونه عكر، ومنطقته المحيطة معتمة ورائحته عفنة لا تستطيع الاقتراب منها خوفا من الالتصاق بك، أما هويته فهي الجشع وبسط النفوذ والعداء الفاحش للدولة التي يفسد فيها هذا هو معنى الفساد الحقيقي لمن يريد فهم معنى الفساد.
الكويت تعيش اليوم بمنطقة اللاستقرار والقلق مصحوبة بحالة من الفوضى والانفلات على جميع الأصعدة ودون استثناء ومن أعلى المستويات وذلك بسبب الفساد الذي بات منهجا لعمل الدولة بعدما كان حالة شاذة، لذا توقفت التنمية وتخلف الاقتصاد وازداد الاتكال على الدولة التي تحملت العبء الثقيل ليس لكفاءة القائمين على إدارتها إنما بسبب الوفرة المالية، فذهبت المبادرات الجادة بل اختفى طيف الإبداع ونتج عن تخلف التنمية تخلف التعليم وتردي التربية وباقي قطاعات الدولة التي يفترض بنا تسميتها بالدولة المؤسسة، لكن شاءت الظروف أن تكون قطعة أرض بثوب دولة عديمة الهوية، فانعدام الرؤية وحالة الانفلات المتزايدة جعلت من التنمية شعارا خجولا لا يتجرأ أي من أصحاب القرار على الخوض فيه لأن المضمون فاسد حتى النخاع و لا تنمية في وجود الفساد. سمو رئيس مجلس الوزراء يردد -وكذلك أعضاء الحكومة- بأن الحكومة تنشد الإصلاح و عملها يتسم بالشفافية وتعمل على محاربة الفساد بشتى صوره، وأنا أسأل أي إصلاح وأي شفافية تقصدون يا سمو الرئيس؟ فهل إدارة ثروات البلد تدار بكفاءة وإنتاجية وبشفافية يا سمو الرئيس؟ وهل تم اجتثاث الخراب من أهم مصدر للدخل بالدولة بل هو مصير الدولة؟ وهل مسألة معرفة أرقام الاحتياطات خارج نطاق الإصلاح والشفافية؟ وهل انتهى الفساد في أجهزة الدولة وأصبح الإنسان يأخذ حقه من دون واسطة أو رشوة؟ وهل مشاريع المقاولات والأوامر التغيرية تتسم بالشفافية يا سمو الرئيس؟ وهل قانون هيئة سوق المال المعوق والمقر أخيرا يعتبر مدخلا للإصلاح؟ وهل يا سمو الرئيس يتم بشفافية قرار شراء الطائرات والسلاح وحقول الشمال؟ إن الإصلاح أصبح استثناء الحكومة، أما الشفافية التي يتحدثون عنها فالمقصود بها هي شفافية الفساد والجهر به. إذا كنتم تبحثون عن الإصلاح والشفافية ومحاربة الفساد إذاً عليكم بإصدار منهج متكامل للدولة ينقسم إلى أبواب عدة، أهمها وأولها التربية والتعليم ثم الاقتصاد والتنمية الشاملة وبعدهما الأبواب الأخرى وأن يكون عبارة عن كتاب بحجم الجيب يوزع مجاناً على جميع من يقيم على أرض دولة الكويت بمن فيهم من الصغار والمقيمين ومن ثم نبدأ بالثواب والعقاب ومحاربة الفساد.
مقالات
وجهة نظر الفساد إنسان
21-07-2007