خذ وخل: نيولوك الحكومة الرشيدة!

نشر في 05-12-2007
آخر تحديث 05-12-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

لعل الاخوة النواب يدركون استحالة استقامة الظل والعود أعوج، ومع ذلك كله تراهم يتخذون سمت فروسية «دون كيشوت» التي لا طائل منها! فكثير من المدينين انضموا إلى نادي المعسرين انسياقا لشعار «حشر مع الناس عيد»، طمعاً في المقسوم السخي المنتظر.

* إذا كان الخبراء المختصون بالمالية والاقتصاد قد أوضحوا بحزم وجزم أن بادرة إسقاط القروض وشراء المديونيات ضارة جداً باقتصاد البلد، فما الذي يمكن أن يقال للاخوة النواب المتحمسين لخيار: عفا الله عما سلف، وعمن اقترض واستلف؟! زد على ذلك، الفتاوى التي أدلى بها الفقهاء وعلماء الشريعة، والخبراء في القوانين والفقه الدستوري، وقد أجمعوا على تحريم هذا الخيار، وعدم دستوريته وعدالته، وعلى الرغم من كل ذلك اختار النواب الثلاثون تقديم «رشوة» مقننة لكسب ود الناخبين، ولضمان أصواتهم! فما يفيدهم كسب اقتراع الناخبين لمصلحتهم إذا تمخض عن هذا الموقف خسارتهم لمصداقيتهم، وتعكير شفافيتهم، وتفضيلهم مصلحتهم الانتخابية الآنية على مصالح البلاد والعباد الأزلية الاستراتيجية! الحق ان هذا الموقف الغريب عصي على التحليل السياسي من قبل الخبراء والمختصين، وربما ثمة حاجة إلى الاستعانة بعلماء الفلك والأرصاد وقراء الفنجان وغيرهم لفك طلاسم مواقف بعض النواب، فممارساتهم، بصراحة شديدة، لم أقتنع بحيثيات المرافعة التي يهتف بها النواب الداعون إلى شراء المديونيات، لأنها ببساطة شديدة لا تقنع أحداً سوى معشر المعسرين أنفسهم، ومن لف لفهم! إن المواطنة حقوق وواجبات كما هو يعرف الجميع، وفي حدود علمي ليس من ضمن هذه الحقوق تسديد الحكومة ديون المواطنين، لأن هذه المهمة ليست من شأنها، بل هي تعني عائلة المدين وقبيلته، وجمعيات الرفق بالإنسان! إن التعويل على الحكومة لتقوم بشراء المديونية بـ«الضرورة» بدعوى ارتكابها فعلة شراء المديونيات الصعبة، يقوض مصداقية كل ما يلعلع به حضرات النواب بشأن المحافظة على المال العام، وينسف شفافية الاستجوابات التي تمحورت حول إهدار المال وحرمنته!

إن مسألة المحافظة على المال العام بداهة كل لا يتجزأ، اللهم إلا إذا كان الداعون إلى شطب الديون بجرة مرسوم أو «فرمان همايوني» تعسفي ليس من الديموقراطية في شيء! لأنه يمنح النواب الموافقين حق إهدار المال العام، وتبديد فوائضه، بذرائع شتى وهشة لا تصمد أمام أي محاكمة عقلية صارمة... ومن هنا نجدهم يلجأون إلى تجييش مشاعر المدينين وحشدهم، وتحريضهم على الاعتصام المفتوح، وبمعيته البوفيه المفتوح، إلى حين استجابة الحكومة الرشيدة لمطالبهم المتعسفة! لكن هؤلاء النواب فاتهم أن «الخرق اتسع على الراتق»... حسب القول المأثور.

أين كان النواب حين كانت المشكلة خاصة بالمعسرين المعوزين الذي لا يملكون «شروى» الضرورات المعيشية؟! ولمَ يتدخلون الآن إثر تحول المشكلة إلى ممارسة مسرفين يكابدون حمى الاستهلاك الذي يتكالبون عليه عبر جادة التقسيط المنتهية «بسكة سد» اسمها سكة الندامة، حيث لا ندم ينفع بعد وقوع البلية! وكلنا ولله الحمد نتخذ مسوح الحكماء بعد أن «تقع الفاس في الراس»!

* إن الحكومة الرشيدة، بعد التحرير، تحولت إلى مبرة خيرية اعتادت إقالة عثرات ذوي المديونيات الصعبة إلى حين ميسرة؛ الله وحده يعلم متى يحين أوانها، وألفت منح المواطنين المقسوم بين حين وآخر، بدافع الأب الثري الذي يروم كسب ود عياله، وربما تدجينهم بحفنة دنانير يبددها الشعب المجيد بالزواج مثنى وثلاث ورباع، وعلى السفر في كل الأحيان لمجرد أن بحوزته مالاً هبط عليه من حيث لا يحتسب!

إن التعميم بشأن المدينين خاطئ وظالم، ومن هنا فأنا لا أجازف وأتورط في التعميم، فثمة مواطنون مدينون بحق من جراء عوزهم، وبسبب رغبتهم في التماهي مع بقية عباد الله المواطنين المستهلكين في كل مكان وحين! إن المحافظة على المال العام كل لا يتجزأ، ولا يمكن ولا يجوز وزن هذه الحمية الغيورة بمكيالين، فيصبح المال العام كما مطرة صيف تمطر على ناس دون غيرهم! كما أن الخطأ لا يتم مجابهته وعلاجه بإجراء يصل الى حد الخطيئة، ذلك ان «الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل»، حسب القول المنسوب إلى سيدنا عمر بن الخطاب «رضي الله عنه».

ولعل الاخوة النواب يدركون استحالة استقامة الظل والعود أعوج، ومع ذلك كله تراهم يتخذون سمت فروسية «دون كيشوت» التي لا طائل منها! إن الكثيرين من المدينين انضموا إلى نادي المعسرين انسياقا لشعار «حشر مع الناس عيد»، طمعاً في المقسوم السخي المنتظر، الذي سبق لهم الحصول عليه في ظروف مشابهة! والاعتصام الذي دعت اليه «اللجنة الشعبية لمناصرة إسقاط القروض، ما هو إلا فعل لتسجيل موقف يرفع عن كاهلهم العتب من قبل المدينين، وكأنه لذر الرماد في العيون... وكم أتمنى على الحكومة الرشيدة لو تعاملت معه على أنه كذلك! إن سياسة «النيولوك» التي «تتزوق» بها الحكومة، تتبدى في شعارات الإصلاح، وهتافات الوعود والعهود التي لا تنفَذ ولن تنفَذ من جراء عمرها القصير جداً الذي لا يمكّنها سوى إنجاز حلف اليمين الدستورية فقط لا غير! لأن عطار «النيولوك» لا يصلح ما أفسده الدهر والنفط، ودولة الرفاه والريع، وسياسة سد الحنك الاستهلاكي الشره الذي كلما قلت له: خذ قال هات!

back to top