Ad

إن نظرة الحضر للبدو على أنهم دخلاء يجب أن تتوقف، كما أن اعتقاد البدو بأن الحضر لديهم مكتسبات خاصة لابد من انتزاعها، هو اعتقاد يجب أن يوأد، فالكويت للجميع، ومن ظن أو اعتقد أو حتى زعم غير ذلك، فهو واهم إلى درجة تستوجب الرأفة عليه.

لا أجد مبرراً لوصف الأخت والزميلة إيمان البداح في مقالها يوم الجمعة الماضي لدعوة النائب خالد العدوه زيادة الرواتب بأنها تعد مؤشراً على العقلية «القبلية»، كما أنني لا أجد مسوغا لما سطره الزميل محمد الوشيحي في الزميلة «الراي» قبل أيام حول الصراع الطبقي في المجتمع من خلال تأكيده على أن أبناء القبائل محارَبون وممنوعون من التعيين في بعض القطاعات الحكومية والهيئات التي هي حصر على أبناء العائلات.

الأخت إيمان ترى في تذكير العدوه بالزيادة، التي حصل عليها أبناء الإمارات أخيراً، محاولة لإثارة النخوة في القيادة الكويتية على الطريقة القبلية، وهنا أقول إن النخوة وإثارتها ليست حكراً على أبناء البدو، فإخواننا الحضر هم أهل نخوة وأهل فزعة، فلماذا يتم اقحام القبيلة في هذا الموضوع؟ ولأننا ممَن يحسنون الظن في الآخرين، وكون الزميلة إيمان ممن يستحق «حسن الظن»، هي والزميل الوشيحي، فانني سأعتبر أن ما جاء في مقالاتهما مجرد ذكر حالات فردية للتدليل بها على فكرة معينة يراد توضيحها للقراء.

ولأن الاقتراب من «المحظور» قد يوقعك فيه عن غير قصد، فإن الابتعاد عن الحديث في مثل هذه الأمور هو القرار الأسلم لكل كتابنا الأفاضل، في ظل ما نعيشه من أجواء شحن رهيبة توشك أن تفتك بوحدتنا الوطنية، غذَّاها للأسف الشديد بعض الممارسات النيابية التي تشتم منها رائحة الطبقية والفئوية والقبلية والمذهبية، وهي الإشكالية التي كادت تندثر بعد الغزو العراقي الذي لم يفرق يومها بين هذا أو ذاك، حتى عادت نظرة التمايز وعدم الثقة والحقد على الآخر تطل برأسها من جديد خلال السنوات الخمس الماضية، بداية ببعض الاستجوبات وانتهاءً بقضية اسقاط القروض التي اعتقد أنها أحدثت فرزاً طبقياً غير مسبوق، ولعل ما حدث خلال جلسة مناقشة القانون في دور الانعقاد الماضي، وما صاحبها من ألفاظ وردود أفعال خير دليل على أن نار الفتنة لم تمت، وهي بحاجة فقط الى من ينفث فيها لتشتعل من جديد.

ولأن «الحضر» جميعهم ليسوا ملائكة، مثلما أن البدو ليسوا كلهم رسلاً، وبالتالي قد تحدث بعض الهفوات والسقطات، فانني اتمنى على كل كاتب «حضري» قبل أن يسترسل في كتابة مقال من ذلك النوع أن يتذكر جاره أو زميله «البدوي» في العمل، وكيف سيقابله غداً... وماذا سيقول له؟ والعكس صحيح، وهو الوضع ذاته الذي يجب أن يسود بين السنة والشيعة أيضاً بعيداً عن شطحات النائبين «الفاضلين» صالح عاشور ووليد الطبطبائي بين فترة وأخرى.

إن نظرة الحضر للبدو على أنهم دخلاء يجب أن تتوقف، كما ان اعتقاد البدو بأن الحضر لديهم مكتسبات خاصة لابد من انتزاعها، هو اعتقاد يجب أن يوأد، فالكويت للجميع، ومن ظن أو اعتقد أو حتى زعم غير ذلك، فهو واهم إلى درجة تستوجب الرأفة عليه.

ولأنني ممن يكفرون بدور الجانب الرسمي في معالجة أي وضع خاطئ، فانني لا أعول كثيراً على قيام الجهات الرسمية بنشر ثقافة التسامح والترابط وإذابة الفوارق بين فئات المجتمع، بل على العكس تماماً، فالسلطة هي أحد أهم أسباب المشكلة عبر ممارساتها التي كرست الطبقية والتفرقة، وعليه، فإن الجهود الشعبية في هذا الإطار هي التي يمكن المراهنة عليها، عبر المخلصين من مثقفينا وكتابنا وعلى رأسهم «الحضرية» إيمان البداح وزميلها «البدوي» محمد الوشيحي.