التنوّع الثقافي والشرعة الدولية
لا شك أن الحق في الهوية الثقافية للشعوب، يعطي الحق للأشخاص والجماعات في التمتع بثقافاتهم الخاصة، وبالثقافات الأخرى المحلية والعالمية، والحق في الثقافة يعني حق كل ثقافة لأمة أو لشعب أو لجماعة في الوجود والتطور والتقدم في إطار ديناميتها الداخلية، وبعوامل التأثر الخارجية، مع حفاظها على خصوصيتها واستقلالها
ما السبيل إلى تأكيد البُعد الإنساني والتنوّع الثقافي والتفاعل الحضاري في مجتمعاتنا ذات الهويات الموحدة والتعددية في نفس الوقت، والأمر يقتضي الاعتراف بالثقافات الفرعية والتعامل معها بإيجابية، خصوصاً وقد أوصلت سياسة الإنكار والنفي مجتمعات بكاملها إلى الاحتراب بما يضرُّ بالوحدة الوطنية، والسؤال المطروح هو: هل أن التنوّع الثقافي قيمة مضافة إلى إثراء وتطوير الثقافة العربية أم أنه مصدر أزمات يؤثر في تماسك الدول والمجتمعات، خصوصاً من خلال التعامل السلبي الإقصائي الإنكاري التسلطي؟!وقد يكون مناسباً عند الحديث عن التنوّع الثقافي، التطرّق إلى دور الثقافة وارتباطها بقضايا الحقوق والحريات لما لها من علاقة وطيدة بالدينامية والإبداع، خصوصاً كونها متحركة تعددية وليست جامدة أو سكونية.ترتكز منظومة حقوق الإنسان الثقافية على عدد من القواعد الأساسية، منها الحقوق الجماعية، ومنها الحقوق الفردية، أما الحقوق الجماعية فأهمها:المساواة في الحقوق بين الأمم، كبيرها وصغيرها؛ والحق في التمتع بالثقافة الخاصة؛ والإعلان عن اتباع ديانة خاصة، وممارسة طقوسها واستخدام لغة خاصة؛ واعتبار جميع الثقافات جزءًا من التراث الإنساني المشترك للبشرية، بما فيها من تنوّع واختلاف؛ وواجب الحفاظ على الثقافة ورعايتها بكل الوسائل، باعتبارها التعبير التاريخي والاجتماعي عن التطور الروحي للإنسان؛ وضمان حق كل شعب في تطوير ثقافته، وتعزيز روح التسامح والصداقة بين الشعوب والجماعات.أما على الصعيد الفردي، فإن الحقوق الثقافية ترتكز على ما يلي: حق كل فرد في المشاركة الحرة في حياة المجتمع، والتمتع بالفنون والآداب، والمساهمة في التقدم العلمي؛ والحق في حرية البحث العلمي، فالحرية الفكرية لها موقع مهم في منظومة الحقوق الأساسية للإنسان، سواء الحقوق المدنية والسياسية، أو الحقوق الثقافية؛ والحق في حماية المصالح المعنوية والمادية للنتاجات الفكرية والعلمية والأدبية. واستناداً إلى ما تقدّم، لاسيما عند تحليل وتدقيق «الشرعة الدولية لحقوق الانسان»، فإننا نلاحظ أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1966 قد عالجا الحقوق الثقافية، التي حاولت منظمة اليونسكو العمل على تعميقها وتعزيزها.يتألف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من 30 مادة تحدثت عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والتي تخصّ النساء والرجال من دون تمييز. وأكدت المادة الأولى الحرية والمساواة، باعتبارهما حقاً للإنسان منذ ولادته حتى وفاته، ولا يمكن –بأي شكل من الأشكال، ولأي سبب من الأسباب- التجاوز عليهما أو الانتقاص منهما. أما المادة الثالثة فيمكن اعتبارها حجر الزاوية في الإعلان العالمي لحقوق الانسان، حيث نصّت على أن لكل فرد «الحق في الحياة والحرية وفي الأمان الشخصي». وقدمت هذه المادة للمواد من 4 إلى 21 التي تنص على الحقوق المدنية والسياسية، كما قدّمت المادة 22 لتكون حجر الزاوية الثاني في الإعلان العالمي للمواد من 23 إلى 27 التي حددت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.وقد تواكبت الجهود لإقرار العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، منذ العام 1954 حتى أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966، ودخل حيّز التنفيذ في يناير 1976 بعد إيداع وثيقة التصديق والانضمام، وقد تضمّن هذا العهد ديباجة و31 مادة، حيث جرى التأكيد على «الاعتراف بالكرامة المتأصلة» و«الحقوق المتساوية»، وكذلك على الحقوق الجماعية لجميع الشعوب، تحقيقاً لغاياتها الخاصة، والتصرف بثرواتها ومواردها الطبيعية. وأكدت المادة 15 حق المشاركة في الحياة الثقافية واحترام حرية البحث العلمي والنشاط الإبداعي، كما أكدت المادتان 13 و14 حق التعليم.الشرعة الدولية لحقوق الإنسان حين أقرّت التنوع الثقافي والحقوق والتعددية الثقافية، فإنها استندت إلى المبادئ التالية:1 - المساواة بين الثقافات.2 - رفض التمييز بين الأمم والشعوب، كبيرها وصغيرها. 3 - عدم الاعتراف بفكرة التفوق أو الهيمنة الثقافية، وما تستند إليه من مفاهيم عنصرية أو شوفينية.وقد أكدت منظمة اليونسكو حق كل شعب في الحفاظ على هويته الثقافية، وتبنّى إعلان مكسيكو عام 1982 هذا الحق مؤكداً احترام الهوية الثقافية، وعدم السعي إلى فرض هوية ثقافية بالإكراه على أي شعب.ولا شك أن الحق في الهوية الثقافية للشعوب، يعطي الحق للأشخاص والجماعات في التمتع بثقافاتهم الخاصة، وبالثقافات الأخرى المحلية والعالمية، والحق في الثقافة يعني حق كل ثقافة لأمة أو لشعب أو لجماعة في الوجود والتطور والتقدم في إطار ديناميتها الداخلية، وبعوامل التأثر الخارجية، مع حفاظها على خصوصيتها واستقلالها، ولكن من دون إهمال للعوامل المشتركة ذات البعد الإنساني، ولقيم التعايش والتفاعل بين الأمم والشعوب والجماعات.* كاتب ومفكر عربي