لدينا في الكويت فائض من سوء النية، تجعل الشائعة مهما بلغ سخفها وعدم منطقيتها تجد رواجاً سريعاً بيننا، من دون تحليل منطقي أو محاولة التأكد من مصداقية قائلها وهدفه من نشرها وإن كان له طرف في الموضوع، أو حتى مقارنة ما جاء فيها مع تاريخ وشخصية المرشح المتهم بها، فكثير من الشائعات لا يحتاج تكذيبها كثيراً من الذكاء والمعرفة.موسم الانتخابات هو موسم الشائعات، فتسمع أن المرشح الفلاني يشتري الصوت بألف، والمرشح العلاني يوزع سيارات، وذاك المرشح طبقي يحارب القبيلة، وهذا بياع خمور، وفلان يربي لحيته رياءً لا تديناً، وعلان طائفي يتلقى التعليمات من الخارج!
والشائعات الانتخابية أنواع، منها عفوي من فرد ضد آخر بدافع شخصي أو عقائدي أو فكري، ومنها ما هو مقصود ومخطط له من قبل أجهزة إعلامية معدة لذلك الأمر، لكن المؤكد أن وراء كل شائعة مستفيد منها، والقصد عادة هو تحطيم نظرة الناخبين الجيدة للمرشح الآخر وإقصاؤه من المنافسة بتصويره كشخص بلا مبادئ أخلاقية أو دينية، وتأتي الشائعات على طرق متعددة ومتنوعة، كأن يتم الترويج لخبر غير صحيح بالمرة، أو قد تكون «تهويلاً» و«مبالغة» لخبر صحيح إن كان فيه ضرر للخصم، وقد تكون «تهويناً» أو «تشويهاً» لخبر حقيقي إن كان فيه فائدة له، أو أن يكون الخبر صحيحاً فعلاً، لكن يتم تداوله وتفسيره بطريقة أو أسلوب يجعل الأمر على غير ما يبدو عليه، والغاية من ذلك هو التأثير في متلقي الشائعة بالسلب أو الإيجاب أو التشويش عليه وجعله كـ«الأطرش في الزفة» لا يعرف الحقيقة بأي جانب!
وجمهور الناخبين- ما لم يكن قبلياً أو طائفياً- سريع التأثر والتبدل من وقت إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى، وحساس جداً تجاه ما يقال وما لا يقال، وهناك شائعات مدروسة ومنتقاة بعناية وتضرب على الوتر الحساس، وتأتي بعد دراسة عميقة ومستفيضة لطبيعة الدائرة وناخبيها، فإن كان فيها نسبة من القبليين فأسهل شيء تقوله إن المرشح الفلاني عنصري طبقي ويعادي القبيلة، وإن كانت الدائرة فيها نسبة من المحافظين فإن الشائعة التي تجد القبول هي قولك إن فلان إباحي يدعو إلى الرذيلة ومحاربة الشريعة، أما إن كانت تحتوي على مجموعة من المذهبيين فما عليك سوى القول إن ذلك المرشح من المعادين لمذهبكم يا قوم، فارجموه بأصواتكم، قاتله الله ومن معه!
والشائعة إن كانت منظمة تجيش الجيوش لنشرها، وتوضع الميزانيات لها، ويكون لها ناشرون مهمتهم إقناع الناس بحقيقتها، فإن اعترض معترض وطالب بدليل على ادعاءاتهم، استسخفوه واتهموه بالسذاجة وأنه «لا يدري وين الله حاطه» وأنه «نائم عما يجري حوله»، أو أن يقولوا له إنه طيب- وهي الكلمة المرادفة لغبي في كثير من الأحيان- ولذلك فهو يرى الناس بعين طبعه ويظن أنهم على شاكلته!
ولدينا في الكويت- بحمد الله- فائض من سوء النية، تجعل الشائعة مهما بلغ سخفها وعدم منطقيتها تجد رواجاً سريعاً بيننا، من دون تحليل منطقي أو محاولة التأكد من مصداقية قائلها وهدفه من نشرها وإن كان له طرف في الموضوع، أو حتى مقارنة ما جاء فيها مع تاريخ وشخصية المرشح المتهم بها، وهل من المنطقي أن يصدر منه قول أو فعل كهذا؟ فكثير من الشائعات لا يحتاج تكذيبها كثيراً من الذكاء والمعرفة، لأنها لا تعبر إلا عن ذهنية مغفلة أو لديها استعداد لتقبل أي شيء عن ذلك الشخص المعني بالشائعة!
وتنتشر عادة الشائعة لضحالة المعلومات عند المتلقي عن الشخص المعني بها، أو لعداوة شخصية معه أو لتوجه ذلك الشخص الفكري أو العقائدي، ويلعب مروجو الشائعات عادة على نغمة الدين والوطنية والمصلحة العامة، ويغلفونها بنكتة أو حكاية أو تأخذ شكل الغمز واللمز أو أن الخبر من ديوانية «عروقها بالماي» وما أكثرها في الكويت!
وهناك شائعات عمرها أيام أو ساعات، وشائعات تعيش سنين، وشائعات تستمر طول العمر وتتحول حقيقة من الحقائق، وما من شخصية عامة نجت من الشائعات، وهناك مَن يهب منهم للدفاع عن نفسه وهناك من يتجاهل ما يقال متبعاً بيت الشعر القديم:
لو أن كل كلب عوى ألقمته حجراً
لأصبح الصخر مثقالاً بدينار
فاحذروا الشائعات ومطلقيها ومروجيها وتأكدوا من صحتها، وتثبتوا من مصداقية قائلها واطلبوا الدليل دائماً، فإن لم تجدوا لديه سوى الكلام فاعرفوا أن محدثكم «ما عنده سالفه»، وانصحوه أن يتقي الله قبل أن يفتح فمه بحديث لم يتبين صحته، جنبنا الله وإياكم أمثال هؤلاء الفارغين والذين «بلا شغل أو مشغلة»!