جامع القرويين هو أشهر وأقدم مساجد المغرب الأقصى الباقية وهو يقع في عدوة القرويين بمدينة فاس في المملكة المغربية والمنسوبة إلى جالية كبيرة من أهل القيروان سكنت بها.
كان الجامع في الأصل مسجداً صغيراً يسمى جامع الشرفاء، أمر بتشييده إدريس الثاني في عدوة القرويين في فاس عند أول إنشائها في حوالي عام 192هـ (808م). ومع اتساع عمارة فاس وتزايد أعداد المصلين، ظهرت الحاجة لتوسيع مساحة هذا المسجد، وفي حوالي عام 245هـ (859م) توفي في فاس رجل من عرب القيروان يسمي محمد بن عبد الله الفهري كان قد هاجر إلى المغرب وكسب ثروة طائلة آلت إلى ابنتيه فاطمة ومريم. وقررت فاطمة أن تنفق كل ما ورثته من مال لتحقيق رغبة والدها في توسيع وتجديد جامع الأشراف. فقامت بتوسيع الجامع وإعادة بنائه فتضاعف حجمه وأعيد بناء الظلات الجانبية، كما جرت زيادة في عدد أروقة ظلة القبلة بهذا الجامع وزود أيضاً بمحراب ومنبر جديدين، وتم تشييد صومعة ضخمة للجامع الذي عرف باسم جامع القرويين. وفي عام 344هـ (955م) جرت توسعة في مساحة الجامع وأعيد بناء المئذنة، فأصبح طول ضلع قاعدتها المربعة خمسة أمتار ووصل ارتفاعها إلى 30 متراً وقد كسيت جدرانها الخارجية بتربيعات أو بلاطات من الزليج «الخزف» وزين رأسها بتفافيح صغيرة مذهبة. وأعيد العمل في هذه المئذنة أيام الدولة المرينية وذلك حين قام الأمير أبو يعقوب يوسف بن عبد الحق في سنة 688هـ (1289م) بإكمال كسوة الزليج وتزيين النوافذ وشرفات الأذان بشرافات مسننة وتوجت الصومعة بقبة صغيرة واكتملت لها تلك الهيئة الجميلة التي تطالع زوار مدينة فاس. والحقيقة أن المرينيين قد أكملوا ما صرفه أمراء المرابطين من عناية بهذا الجامع، لاسيما تلك الأعمال التي قام بها أمير المسلمين علي بن يوسف المرابطي بدءاً من عام 528هـ (1133م) إذ زيدت أروقة ظلة القبلة وصنع للجامع محراب ومنبر جديدان، هما بحد ذاتهما من أجمل التحف الفنية التي يزدان بها جامع القرويين. ومنبر الجامع مصنوع من أخشاب ثمينة منها الصندل والأبنوس والحور وقد طعمت زخارفه بالعاج وهي مؤلفة من زخارف هندسية ونباتية تنبئ عن مشاركة صناع من الأندلس في إخراج هذه التحفة الخشبية. واشتملت أعمال علي بن يوسف على إعادة بناء أبواب الجامع وفي مقدمتها باب الشماعين الذي كان يعرف قديماً باسم باب الفخارين. وقد أقيم على كل باب قبة صغيرة وصفحت الأبواب الخشبية بالنحاس المطروق. واحتشدت ظلة القبلة بقباب صغيرة ذات مقرنصات فريدة كان الغرض من إنشائها زيادة الإضاءة الطبيعية في ظلة المحراب، فضلاً عن قبة كبيرة تعلو المحراب مباشرة وهي ذات زخارف نفذت في الجص وزينت بالنقوش الذهبية والملونة، وتنطق هذه الزخارف بحقيقة إسهام الفنانين الأندلسيين في تنفيذها. وقد عني كل حكام المغرب بترميم جامع القرويين وتزيينه بالنقوش، بمن فيهم خلفاء الأمويين عندما فرضوا سيطرتهم لبعض الوقت على الشاطئ المغربي خلال خلافة الحكم المستنصر وابنه المؤيد هشام. واكتسب جامع القرويين سمعته التاريخية ليس لجمال مبناه وحسب بل ولدوره التعليمي حيث جلس فيه شيوخ العلم للتدريس وأقبل طلاب العلم من كل مدن المغرب بل ومن دواخل غرب أفريقيا للدراسة به حتى أصبح صنوا للأزهر في الشمال الأفريقي. وقد تحول جامع القرويين الآن إلى جامعة حديثة تدرس فيها العلوم الدينية وأيضاً علوم العصر الحديث، ليصبح كما كان في غابر الأيام منارة للعلم وحاضنة لأهله.
توابل
جامع القرويين في المغرب... صنو الأزهر في الشمال الأفريقي
23-09-2007