طرابلس وسينما عبد الحليم كتاب توثيقيّ لابراهيم الهندي ملصقات الحنين إلى مدينة وزمن

نشر في 19-08-2007 | 00:00
آخر تحديث 19-08-2007 | 00:00

صدر لدى «مركز محمود الأدهمي الثقافي» كتاب «طرابلس وسينما عبد الحليم» لمؤلفه ابراهيم الهندي، توثيق نادر لملصقات أفلام عبد الحليم حافظ في صالات السينما الطرابلسية (شمال لبنان). حفظ الهندي ملصقات (أفيشات) أفلام عبد الحليم التي عُرضت في طرابلس منذ 1955 مع الفيلم الأول للعندليب «لحن الوفاء» إلى 1969 تاريخ عرض فيلم «أبي فوق الشجرة» الذي تضمن مشاهد قبلات كثيرة وخضع للرقابة.

حبذا لو قدم الهندي بحثاً عن احوال الجمهور الطرابلسي في زمن افلام عبد الحليم، فالملصق قد يعبر قليلاً عن الماضي الغابر، لكن من يقارن الأمس باليوم في مدينة مثل طرابلس يجد أن الأمور انقلبت رأسا على عقب وتحوّل جمهور «السينما الحليمية» الى أماكن اخرى، خاصة مع تنامي التيارات الأصولية.

«أبي فوق الشجرة»

لا شك في ان فيلم «أبي فوق الشجرة» لا يزال يثير الجدال في مصر رغم مرور عقود على عرضه. فقبل سنوات طالبت احدى الجهات المتزمتة بمنعه وأدرجته على لائحة التكفير. ولدى عرض الفيلم في 1969 حقق نجاحا جماهيريا لا مثيل له من قبل في تاريخ السينما المصرية. اعتبر في رأي بعض النقاد ذروة أفلام «تغييب الوعي» وإلهاء الناس عن فهم ما حدث يوم 5 يونيو. وبدا «أبي فوق الشجرة» من ناحية اخرى «نهاية» مخرج هو حسين كمال الذي كان أخرج افلامه الثلاثة الأولى بالأبيض والأسود («المستحيل» و{البوسطجي» و{شيء من الخوف») وبدأ مع «أبي فوق الشجرة» اخراج اول أفلامه بالالوان وأول أفلامه «التجارية» في الوقت نفسه. كان حسين كمال من الاسماء التي يتطلع إليها الجميع بكونها من المواهب الكبرى القليلة التي يمكن ان تصنع «ثورة» في عالم المسرح وعالم السينما معاً. أما عبد الحليم فكانت للنقاد قراءة اخرى في أدائه. يقول الناقد رفيق الصبان عن عبد الحليم حافظ الممثل إنه كان يتمتع بعفوية وبساطة في الأداء التمثيلي، إضافة الى شكله الخارجي الذي يشبه في ملامحه الشباب المصريين والعرب ما أشعر جمهوره بالتعاطف معه اذ لم يكن يتمتع بوسامة رشدي أباظة لكنه يمتلك جاذبية الرجل الشرقي وكان يتقمص الشخصية بسهولة ويمتلك ذكاء في اختيار أدواره وليست أدوراً مركبة. معظم أدواره كان يمثل الشاب المصري والشرقي البسيط لكنه نضج في آخر أفلامه «أبي فوق الشجرة» رغم أنه لم يكن ملائماً للدور أو misscust . لعب دور شاب جامعي في حين تخطى الخامسة والأربعين. استطاع مع ذلك إقناع المشاهد بأنه طالب جامعي، ما اعتبر تحديا له كممثل. ستة عشر فيلما لعبد الحليم كان هدفها الرئيسي خدمة المطرب لا الممثل وأعتقد أن ذكاء حليم الفطري ساعده في إكمال تلك المعادلة الصعبة والإفلات من الرأي السينمائي الناقد.

بطاقات

لا ينتهي الكلام عن افلام عبد الحليم. مرادنا هنا الحديث عن ملصقات افلامه في طرابلس. يعرض الهندي ملصق كلّ فيلم وحكايته وبطاقته الفنّية تمثيلاً وإخراجًا وإنتاجًا وغير ذلك. يضيف عناوين أغاني الفيلم مع كلمات تلك الأغاني مصحّحًا ومزيلاً الإلتباس عن بعض الكلمات التي سرت خطأ شائعًا على ألسنة الناس. فرادة هذا الكتاب أنّه يجمع ملصقات افلام عبد الحليم في طرابلس، ولعلّ مقدّمة الكتاب تضيء على المسيرة الفنّية لعبد الحليم في مراجعة نقدية للواقع الفنّي الطاغي على السّاحة الفنّية اليوم. تشكّل المقدمة المذكورة جزءًا أساسيًا وتأريخيا لأول عرض سينمائي في العالم العربي إذ يعيده بعضهم إلى أوائل يناير/ كانون الثاني من العام 1896 في مصر. وتبرز المقدمة الخلاف القائم بين النقّاد حول من يستحق لقب رائد السينما العربية؟ هل عزيزة أمير منتجة وممثلة الفيلم الروائي الطويل «ليلى» عام 1927 أم محمد بيومي أول مصري وقف وراء آلة التصوير السينمائي عام 1923؟

يبدي كاتب مقدمة الكتاب مايز الأدهمي أسفه في الذكرى الثلاثين لرحيل العندليب الأسمر على انتقال المجتمع العربي من حالة إلى حالة فبعد سماع أصوات عمالقة الغناء نأتي إلى زمن الوصول السّهل بطرق عجيبة غريبة كما مع «مكوجي» الفن شعبولا، وسعد الصغير، وأغانٍ وأفلام مثل»أيظن» و «قصة الحيّ الشعبي» و»عليّ الطّلاق بالثلاثة»... عارضاً مسيرة عبد الحليم الصعبة للوصول بجهاده وثقافته والتزامه قضايا الوطن والانسان في مصر والعالم العربي. لا ندري لماذا يطلق كاتب المقدمة الاحكام والتعميمات على ثقافة زمن من خلال الاستشهاد ببعض الأغاني الرديئة من دون انتباه إلى ان كل عصر يحوي الرديء والجيد في آن. لم يقرأ صاحب المقدمة احوال الغناء على نحو شامل. اختار توظيف بعضها للتدليل على رداءة الزمن الراهن.

يتوقّف الأدهمي عند الملصق السينمائي وهو فن قائم بذاته، مهمته جذب العابرين إلى هذا الفيلم أو ذاك. ولهذا الفن فرسانه من الرسّامين والخطّاطين. الملصق هو الصلة الأولى بين الفيلم والمشاهد، فحتى إن لم يكن المرء من متابعي السينما فإنه يلاحظ الملصق، فهذا، مثل أي إعلان تجاري يعتمد على الصورة والكلمة معا، كلّ منهما يحاول تفسير الآخر والدلالة عليه. ولا ينسى الأدهمي في مقدمته الإشارة إلى رسامي الملصقات من مصطفى حسين إلى المصمم اليوناني فاسيليو وحسن مظهر أو جسور وديمتري، بعدما كان الأوروبيون أوّل من صمّم ملصقات الأفلام المصريّة كذلك الأرمن الذين أتوا للإقامة في مصر. نتأمل الملصقات اليدوية في زمن الكومبيوتر الذي طغى على أنامل الرسامين والخطاطين وجعلها في دائرة «الكيتش» والنوستالجيا. كان الأجدى بواضع الكتاب البحث عن احوال السينمات التي كانت تعرض افلام عبد الحليم وأين اصبحت بل كيف تبدلت الاحوال في العاصمة الثانية للبنان. فقراءة تواريخ الصالات أشبه بقراءة احوال المدينة كلها. كل صالة مرآة لواقع المدينة.

مع ذلك يعيدنا كتاب «طرابلس وسينما عبد الحليم» لابراهيم الهندي إلى الزمن الغابر.

back to top