توحي بعض الممارسات الأخيرة بأن الحكومة من حقها الاحتماء بصاحب السمو منفردة متى ما أحست بالضعف أمام المجلس، وأن مثل هذا الحق يكون حكراً عليها رغم أن سموه رئيس السلطة التشريعية، التي من حقها الدستوري والأخلاقي الاحتماء والاستقواء بسمو الأمير أيضاً.يحظى مقام صاحب السمو الأمير بأهمية منقطعة النظير بجملة من الاعتبارات السياسية والاجتماعية، قننها الدستور الكويتي على ضوء الإرث التاريخي لطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم ووضعه على رأس السلطات جميعاً ورئيساً ووالداً وقائداً للدولة وللشعب على حد سواء، ولم يفرد الدستور حصانة لأي فرد سوى لسمو الأمير إذ اعتبرت ذاته مصونة لا تمس.
وإلى جانب تعزيز حالة الاحترام والوقار لشخص صاحب السمو فقد وضع المشرع الدستوري المقام الأميري عالياً، للنأي به عن طبيعة العلاقة بين السلطات وما قد ينجم عنها من تباين وخلاف في الرأي والموقف، قد تصل إلى مستوى الصراع والاحترام باعتباره أن ذلك من صميم إفرازات العمل السياسي.
ولكن المنحنى الذي شرعت الحكومة في انتهاجه خلال الشهور الماضية، خصوصاً بإقحام اسم صاحب السمو الأمير في صغائر الأمور اليومية ووضعه على المعترك السياسي، بحاجة إلى وقفة تأمل ومراجعة جادة لأن في ذلك تداعيات دستورية الجميع في غنى عنها، سواء من دواعي حسن النية أو بسبب اجتهادات آنية، فقد عكست الحكومة بمثل هذه الممارسات النص الدستوري الصريح كما جاء في المادة 55 بأن «يتولى الأمير سلطاته بواسطة وزرائه» وإذا بالوزراء يمارسون سلطاتهم بواسطة الأمير!!
ومكمن الخطورة في مثل هذا المسار هو الزّج بالمقام الأميري في الخلاف بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ومحاولة الإيهام بأنه طرف في مثل هذا الخلاف أو التباين في وقت يعتبر فيه السمو الأمير هو رئيس السلطتين بالتساوي، بل الحكم على أدائهما. والأغرب من ذلك هو الإشارة إلى موقف سمو الأمير إزاء أمور تفصيلية قد احتدم بشأنها النقاش والجدل بين مجلس الأمة والحكومة كما هي الحال بالنسبة إلى موضوع مكافأة الطلبة وقضية المديونيات، لترجيح كفة الحكومة من جهة وإحراج النواب من جهة أخرى!
أما المؤشر الآخر في ممارسة كهذه فقد يوحي بأن الحكومة من حقها الاحتماء بصاحب السمو منفردة متى ما أحست بالضعف أمام المجلس، وأن مثل هذا الحق يكون حكراً عليها رغم أن سموه رئيس السلطة التشريعية التي من حقها الدستوري والأخلاقي الاحتماء والاستقواء بسمو الأمير أيضاً. وبعبارة أخرى، فإن صاحب السمو هو والد الجميع ورئيس الجميع ولا يجوز لأحد أن يغير أو يؤوِّل مثل هذه الحقيقة الدستورية والوجدانية.
إن السلطة التنفيذية مطالبة بحكم المادة 123 من الدستور بأن تكون مهيمنة على مصالح الدولة ورسم السياسة العامة للحكومة، ولديها من الصلاحيات والإمكانات والموارد المالية ما يمكنها من ذلك، إضافة إلى أدواتها داخل المجلس وخارجه، ولكن في إطار احترام رأي الأغلبية ومؤشرات الرأي العام لتكون بالفعل حكومة الشعب الكويتي، أما عكس هذا المسار فيعتبر مؤشراً على إحساسها الحقيقي بالضعف وعدم القدرة على تسويق برامجها ومشاريعها أو حتى قدرتها على التكييف مع المتطلبات الشعبية وقراءة الساحة العامة بشكل صحيح في كل مرحلة تاريخية، ونتأمل ألا تساهم الحكومة في خلق إيماءات أو إيحاءات لقراءة مختلفة للدستور يسيل لعاب البعض لاغتنامها فرصة جديدة لاستهداف هذا الدستور بعدما فشلت محاولاتهم لتعطيله أو تحريفه!