تجادلت مرة مع أحد أمراء الظلام هؤلاء، وكان الجدال يدور حول النص الشرعي الذي يبرر مقتل طفل لم يبلغ العاشرة من عمره ليس بمتفجرة عمياء، تحصد الأرواح بدون تمييز بين صغير وكبير، إنما بـ«بلطة» قصاب. فقال «هل سمعت... إن هؤلاء الأطفال الذين يقتلون في العراق والجزائر وفي باكستان وأفغانستان فلأنهم أبناء كفرة .. ولأن القرآن الكريم أباح قتلهم، لأنهم إن لم يُقتلوا فإنهم لن يلدوا إلا فاجراً كفاراً».. والعياذ بالله.. العياذ بالله!!

Ad

«وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» «صدق الله العظيم».

التقيت في بدايات عقد تسعينيات القرن الماضي سفيراً عربياً في الجزائر كان أحد الذين اختطفتهم مجموعة إرهابية من منطقة عين الدُّفلى السياحية الجزائرية، وقال هذا السفير الذي يمتلك ثقافة إسلامية عميقة وواسعة إنه دخل في حوار فقهيٍّ وشرعيٍّ مع «أمير» تلك الجماعة الذي لم يكن عمره تجاوز السبعة عشر عاماً، والذي حسب اعترافه أصدر عشرات قرارات الإعدام على رجال ونساء وأطفال بحجة أنهم كفرة وخارجون على الدين!!

كيف يمكن تبرير زرع قنبلة في صالة أعراس ممتلئة بالنساء والأطفال والرجال الأبرياء وقلب أفراحهم إلى أحزان وتمزيق أجسادهم بالمتفجرات على غرار ما حدث في الأردن قبل أكثر من عامين في حادثة الفنادق الثلاثة المعروفة، وعلى غرار ما يحدث كل يوم في العراق وفي غيره من الدول العربية...؟!

قبل أربعة أيام قدَّمت لنا «الفضائيات» صورة شهاب القدور «أبو هريرة»، بعد مقتله في منطقة أبي سمراء، في طرابلس. وهذا كما عُرف كان يشغل موقع نائب زعيم عصابة «فتح الإسلام» شاكر العبسي وذلك مع أن عمره، كما أظهرت الصور التي أفرجت عنها أجهزة الأمن اللبنانية، كان لا يزال في نهايات عقد العشرينات ومع ذلك فإنه استبدل اسمه الحقيقي باسم أحد صحابة رسول الله رضوان الله عليهم (أبو هريرة) ليرتكب تحت هذا الاسم الشريف أبشع الجرائم البشرية وليهدد بإبادة عاصمة الشمال اللبناني كلها!!

تجادلت مرة مع أحد أمراء الظلام هؤلاء، وكان شاباً لايزال شعر عوارضه يشبه زغب «زغاليل الحمام»، وهي في أسبوعها الثاني، وكان الجدال يدور حول النص الشرعي الذي يبرر مقتل طفل لم يبلغ العاشرة من عمره ليس بمتفجرة عمياء، تحصد الأرواح بدون تمييز بين صغير وكبير، إنما بـ «بلطة» قصاب وبالترافق مع إطلاق صرخات «الله أكبر.. والمجد للإسلام».. هذا حدث في الجزائر وفي العراق وبالصوت والصورة.

تنحنح «أمير المؤمنين»!! وهو يدغدغ زغب ذقنه بأصابعه الرقيقة واستوى في جلسته فوق بساط مزركش كان ممدوداً على الأرض، وقال بعد أن حوقل وبسْمل: «رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا».

نظر إليَّ وكأنه حقق انتصارا مدوياً وقال: «هل سمعت.. إن هؤلاء الأطفال الذين يقتلون في العراق والجزائر وفي باكستان وأفغانستان فلأنهم أبناء كفرة .. ولأن القرآن الكريم أباح قتلهم لأنهم إن لم يقتلوا فإنهم لن يلدوا إلا فاجراً كفاراً «.. والعياذ بالله.. العياذ بالله!!

لم أكمل الحوار وتذكرت قول عليٍّ بن أبي طالب كرم الله وجهه: «والله ما جادلت عالماً إلاَّ وغلبته وما جادلني جاهل إلا وغلبني» .. وأستغفر الله لي ولكم!!