نظراً لعدم ترسخ القيم والمبادئ الديموقراطية الحقيقية في مجتمعنا، مثل احترام الرأي الآخر، أو عدم «شخصنة» القضايا محل النقاش بحيث تتم مناقشة الفكرة المطروحة وليس شخص صاحبها، فإن المعارك السياسية، خصوصاً عند تقديم استجواب ما، تكتسب أهمية ومتابعة خاصة من قبل المواطنين لأنها تتحول، في الغالب، من نقاش سياسي راقي إلى معارك شخصية يُستخدم فيها كل أنواع «الأسلحة» بما فيها «الأسلحة الجرثومية» المضرة بالوحدة الوطنية.
وبغض النظر عن محتوى الاستجواب وردود الوزير المستجوب، فإن المعركة «اللسانية» الاستفزازية تبدأ فور تقديم صحيفة الاستجواب. فبعد ترديد الجميع، بما يشبه الصوت الواحد، للجملة المكررة، وهى: «أن الاستجواب حق دستوري»... يقولون (بعد النحنحة): ولكن... وبعد هذه «اللكن» اللعينة يتم الفرز حسب أسماء المستجوب والمستجوب (بكسر الواو الأولى ونصب الثانية). فما علينا سوى معرفة طرفي الاستجواب لتحديد من سيقف مع كل طرف منهما على طريقة «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً». وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل إنه يتعداه، وهنا مكمن الخطورة، لعزف «سيمفونية» شق الوحدة الوطنية والتفرقة بين المواطنين حسب عرق أو مكان سكن أو مذهب أو قبيلة طرفي الاستجواب.وعادة ما يردد مناصرو كل طرف من طرفي الاستجواب عدة «كلاشيهات» سمجة، أصبحت معروفة، وتتحدد وفق التركيبة الاجتماعية للمنطقة الانتخابية لكل منهما، ومن أمثلتها: إنه صراع بين القبائل والحضر، أو صراع بين سكان المناطق الداخلية والمناطق الخارجية، أو بين السنة والشيعة، أو بين أهل الكويت (وهذا مسمى فئوي عنصري جديد) وبين بقية الكويتيين!! وفى كل الأحوال، فإن القاعدة المعمول بها هنا هي استخدام ما يكسبون به انتخابياٍ بغض النظر عن مشروعيته الأخلاقية أو النتائج الاجتماعية الخطيرة المترتبة عليه.مع العلم أن هذه المصطلحات التي يطلقونها ليس لها أساس علمي. فمثلاً، مصطلح المناطق الداخلية والخارجية ما هو إلا مصطلح صحفي، فليس لدينا فواصل جغرافية مميزة بين المناطق السكنية بحيث نتحدث مثلا عن ولايات، كما هو الحال فى الولايات المتحدة الأمريكية. أما الحديث العنصري عن صراع وهمي بين ما يسمى عنصرياً أهل الكويت وبقية الكويتيين خصوصاً المواطنين ذوى الأصول القبلية فهو كلام «مأخوذ خيره» القصد منه التغطية على طبيعة الصراع الاجتماعي والسياسي الرئيسي في المجتمع الذي ليس له علاقة البتة بطوائف البشر أو أصولهم أو تاريخ قدوم أسلافهم كمهاجرين للكويت، إنما تتمثل علاقته الأساسية بوضعهم وموقعهم الاقتصادي والسياسي الذي يشمل كل قسم منه عائلات وقبائل وطوائف متعددة . إلا أنه يُستخدم عادة هنا بشكل عنصري عاطفي للتكسب الانتخابي. وكذلك هو الحال بالنسبة للتعصب القبلي، الذي لا يختلف من حيث المنطلق عن التعصب العنصري، فهما وجهان لعملة واحدة، فليس هنالك في الدولة الدستورية انتماءات قبلية تتعدى الانتماء الوطني، علاوة على أن عدداً كبيراً من الكويتيين في جميع الشرائح والطبقات الاجتماعية وفي مناطق الكويت كلها هم من أصول قبلية بدرجة أو بأخرى، وما استخدام وتأجيج التعصب القبلي إلا للتكسب السياسي أيضاً. أما الفرز الطائفي وإن كان يختلف عما سبق بأن له جذوراً دينية، إلا أنه يستخدم استخداماً سياسياً للهدف ذاته. لذلك فالمفترض أن يُناقش أي استجواب في حدوده الدستورية وفي أطره ومضامينه السياسية بعيداً عن أية تأويلات شخصية تتعلق بعائلات طرفيه أو مناطق سكنهم أو أصولهم أو مذاهبهم أو قبائلهم أو تواريخ قدوم أسلافهم كمهاجرين، حيث أن كل هذه الأمور ليس لها أية قيمة تذكر في الحكم على قوة أو ضعف الاستجواب. لكن بلا شك أن هنالك قوى تستفيد من إظهار الصراع الاجتماعي والسياسي الأساسى بعكس طبيعته، وكأنه صراع بين عائلات وقبائل وطوائف، وبذلك يذكى نار الفتنة الاجتماعية ويزيد من تشظي المجتمع ويهدد وحدته الوطنية، ويساهم في بناء الجدران العازلة بين فئات المجتمع بدلاً من تدعيم جسور المحبة والتواصل والتعاون والاندماج الاجتماعي التي جُبلت عليها الكويت منذ القدم، مما يسهل لهذه القوى الهيمنة السياسية والاقتصادية.لذا... فإن المطلوب من القوى الوطنية الديموقراطية أن تحدد طبيعة ومجال الصراع السياسي- الاجتماعي الحقيقي فلا تنزلق هي الأخرى إلى صراع فئوي عنصري مقزز أو قبلي كريه تحت ضغوط المزايدات الانتخابية الآنية، فتتناقض مع مرتكزاتها ومبادئها الأساسية وتفقد مبرر وجودها كمدافع مبدئي وتاريخي عن الوحدة الوطنية.
مقالات
الصراع السياسي وتفتيت المجتمع
31-12-2007