Ad

إن ضعف الكادر الطبي وانخفاض سلم رواتب الأطباء في وزارة الصحة بالمقارنة مع دول الخليج العربي، تلك الدول المشابهة للكويت في ظروفها الاقتصادية والاجتماعية، ليس سوى وجه من أوجه التعثر التنموي عندنا.

قضية الكادر الطبي وسلم الرواتب، التي يثيرها أطباء وزارة الصحة هذه الأيام، هذه القضية التي أخذت حيزاً كبيراً من مساحات الصحف، ليست قضية منفصلة عن واقع البلاد المرتبك سياسياً واقتصادياً وتنموياً. أقول هذا حتى لا يظن أحد أن المسألة ما هي إلا هَمْ وشأن خاص بالأطباء، وأن الضجة العالية المصاحبة لها هي ضجة ناتجة عن سعي فئة معينة الى الحصول على مكاسبها الشخصية.

إن ضعف الكادر الطبي وانخفاض سلم رواتب الأطباء في وزارة الصحة بالمقارنة مع دول الخليج العربي، تلك الدول المشابهة للكويت في ظروفها الاقتصادية والاجتماعية، ليس سوى وجه من أوجه التعثر التنموي عندنا، وفي هذه الحالة هو تعثر على صعيد الخدمات الطبية، وذلك لأن عدم إدراك الدولة لأهمية متابعة تطورات قيمة الطبيب وتكلفته المالية في العالم مقابل الخدمات التي يقوم بتقديمها هو مؤشر من مؤشرات تدهور الخدمة الصحية ككل، لأنه كيف يتوقع للطبيب، وهو يشعر بعدم اهتمام الدولة به وبوضعه المالي، أن يعطي من جهده أكثر، وأن يبدع في عمله، وألا يفكر في الهروب من العمل الحكومي إلى فرص العمل الأفضل في القطاع الخاص في الكويت وخارجها؟!

والحقيقة أن الأطباء ليسوا وحدهم من يطالبون بمراجعة كادرهم وامتيازاتهم المالية، بل إن هناك قطاعات أخرى كثيرة تطالب بذلك وقطاعات أخرى لعلها لم تطالب حتى الآن، ولكنها حتماً تستحق أن تتم مراجعة كوادرها وأوضاعها المالية.

إن مراجعة الكوادر الوظيفية والرواتب حق كفلته الدولة لموظفيها انطلاقاً من المفاهيم الإدارية السليمة، ولكنه للأسف بقي مغيباً طوال السنوات الطويلة الماضية، ولم يسر على آليته المرصودة من حيث وجوب المراجعة الدورية لرواتب العاملين في القطاعات المختلفة، ولهذا السبب تتعالى هذه المطالبات المختلفة بين الفينة والأخرى من مختلف القطاعات.

جانب آخر من الواجب الإشارة إليه، وهو أن قيام بعضهم بتصوير تهديد الأطباء باللجوء إلى الاعتصام في حال عدم الالتفات إلى مطالباتهم بضرورة تعديل كادرهم على أنه نوع من الغوغائية والشغب الذي لا يليق بهم، هو تصوير خاطئ، فما أعرفه أن الأطباء عبر جمعيتهم الطبية قد صعدوا سلم مطالبتهم خطوة خطوة ومن خلال كل القنوات الصحيحة، وصولاً إلى خطوة الاعتصام السلمي، وهذه الخطوة المستحقة في حال حصولها، هي خطوة سلمية حضارية صحيحة تمارسها حتى أكثر الفئات تقدماً وثقافة في أعرق الديموقراطيات حول العالم.

أشد على يد الجمعية الطبية، التي تقود هذه المسيرة للوصول إلى حصول الأطباء على حقوقهم المالية أسوة بزملائهم في الخليج، وذلك لأجل الهدف الأسمى والذي هو الارتقاء بالخدمات الطبية بعدما وصلت إلى هذا المستوى المتدهور جداً.