فشل مشروعهم...وليس نظام الحكم الديموقراطي
إن من يتحمل المسؤولية عن الأزمة السياسية الحالية ليس مجلس الأمة كمؤسسة ديموقراطية، ولا الدستور أو نظام الحكم الديموقراطي، بل هو هذه القوى المتحالفة التي يجب أن تعترف بفشل مشروعها المشوّه لنظام الحكم الديموقراطي الحقيقي الوارد في دستور 1962، والذي يبقى، أي نظام الحكم الديموقراطي، هو البديل الأمثل للخروج من أزمة فشل مشروعهم لإدارة الدولة الدستورية العصرية.
غنيٌّ عن القول ان النظام الديموقراطي هو أفضل نظام اكتشفه الإنسان حتى الآن لتنظيم شؤون حياته، وهنالك نماذج مختلفة في العالم من النظم الديموقراطية الناجحة التي ترتكز كلها على الفكرة الأساسية العامة للحكم الديموقراطي في أن يحكم الشعب نفسه بنفسه ومن أجل نفسه، وإن اختلفت أشكال تحقيق ذلك. عام 1962 تم التوافق بين الشعب الكويتي والأسرة الحاكمة على تبني الديموقراطية نظاماً للحكم، تكون فيه الأمة مصدر السلطات جميعاً. وفي ظل الأزمة السياسية الحالية هنالك من ينادي، بغض النظر عن حسن نيته أو سوئها، بتغيير أسلوب النظام الديموقراطي أو الانقلاب عليه «لأنه سبب هذه الأزمة» أو بأن «مجلس الأمة لا يصلح للكويت» حسب قول بعض المعادين للنظام الديموقراطي، فهل هذا صحيح؟ أي هل النظام الديموقراطي هو سبب الأزمة السياسية الحالية؟ إن أغلبية المتذمرين من الوضع الحالي ينظرون إلى النتائج ويهملون الأسباب، كحال الطبيب الذي يركز على الطفح الجلدي الظاهر على جسم المريض ويهمل البحث عن السبب الحقيقي للمرض.إننا لو نظرنا بموضوعية إلى التطور الديموقراطي في الكويت فسنلاحظ، بشكل جلي، أن هنالك انحرافاً وعدم التزام بما توافق عليه المؤسسون الأوائل للدولة الكويتية الحديثة والوارد في دستور 1962. فلم يتم التطبيق الفعلي لجميع مواد الدستور، وتم الاكتفاء بشكل مبسط من الديموقراطية السياسية المتمثلة في انتخابات مجلس الأمة. وحتى هذه لم تستمر بشكل سليم بل واجهت هي الأخرى، محاولتين للانقلاب عليها في عامي 76 و86، وأيضا محاولة لاستبدالها في عام 1990 بشكل غير دستوري سُمي المجلس الوطني. وعندما لم تنجح المحاولة الأولى جرى العمل على تفريغ الدستور من محتواه وتشويه الممارسة السياسية من خلال التقسيم الخمس والعشريني للدوائر الذي مهد لبروز عدة ظواهر سلبية لانزال نعاني آثارها حتى اليوم، كالتشظي الاجتماعي والتقسيم الرأسي للمجتمع وشراء الأصوات والتنفيع السياسي.لقد غابت أو غُيّبت منذ بداية العمل بالدستور قضية الديموقراطية الاجتماعية كممارسة حياتية، بل إنه ومنذ الانقلاب الأول على الدستور عام 76، قد تم التحالف السياسي مع قوى تحمل فكراً مناقضاً للنظام الديموقراطي الحقيقي وتدعو إلى تقييد الحريات المدنية والفكرية وتختزل الديموقراطية بورقة تصويت انتخابي مبني على نظام انتخابي مشوه قد يؤهلها تدريجياً، ويبدو أنها في طريقها إلى ذلك، إلى الانقلاب الكامل على النظام الديموقراطي من خلال تفريغه من الداخل من مضامينه الحقيقية ليبقى شكلاً من دون محتوى. لقد دعمت وشاركت هذه القوى السياسية، ولاتزال، الانتخابات الفرعية القبلية والطائفية، إذ إن هنالك دائماً مجموعةً من أعضائها، في جميع مجالس الأمة، هم ممن نجحوا عن طريق الانتخابات الفرعية القبلية والطائفية، كما تبنّت هذه القوى ولاتزال مشاريع القوانين التي تتناقض مع نصوص الدستور وروحه وتؤسس للدولة الدينية، وليس للدولة الدستورية المدنية التي وضع لبنتها الأولى دستور 1962.لذا، فإن ما نعايشه الآن ما هو إلا أزمة المشروع الذي بشّرت به هذه القوى، وليس أزمة النظام الديموقراطي، هذا المشروع الذي لا يمت إلى الديموقراطية الحقيقية ولا إلى دستور 1962 بصلة. إن ما نراه الآن من تردٍّ للأوضاع العامة ما هو إلا آثار أو نتائج أو مظاهر محاولات تفريغ الدستور من محتواه وعدم الإيمان بالنظام الديموقراطي. وعليه، فإن من يتحمل المسؤولية عن الأزمة السياسية الحالية ليس مجلس الأمة كمؤسسة ديموقراطية، ولا الدستور أو نظام الحكم الديموقراطي، بل هو هذه القوى المتحالفة التي يجب أن تعترف بفشل مشروعها المشوّه لنظام الحكم الديموقراطي الحقيقي الوارد في دستور 1962، والذي يبقى، أي نظام الحكم الديموقراطي، هو البديل الأمثل للخروج من أزمة فشل مشروعهم لإدارة الدولة الدستورية العصرية.