أنفقت دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقود الثلاثة الماضية، ما يقارب التريليون دولار على الشؤون العسكرية وموازنات الدفاع، إضافة إلى ارتباط معظم الأعضاء بتحالفات استراتيجية مع الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة من دون أن يحقق لها ذلك أي شعور بالأمن، فما نفتقده بحق في هذه المنطقة الحيوية من العالم هو الثقة؛ الثقة بإمكاناتنا، والثقة بقدراتنا، والثقة المتبادلة.قريباً جداً يطفئ مجلس التعاون الخليجي شمعته السابعة والعشرين في مسيرة تاريخية تعتبر الأطول في التجربة العربية من حيث التماسك والاستمرارية كمنظمة إقليمية، ولكن ووفق مقاييس ومقومات النجاح الكامنة في هذا المشروع الخليجي لا تزال نتائجه خجولة جداً، بل مخيبة للآمال، على مستوى التكامل، دع عنك أحلام الوحدة والاندماج الكامل التي لم يطل رأس إبرة حتى الآن، إذا ما قورن هذا النموذج بمثيلاته في أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية وشرق آسيا، وتزداد الغرابة بشأن هذا البطء الخليجي في ظل أمواج العولمة والتعاون الدولي المتنامي من دون سقف أو حد.
فالأنظمة الخليجية تكاد تكون متطابقة في مكوناتها السياسية ونسيجها الاجتماعي وآلياتها الاقتصادية، والدول الست تنعم بثروات طبيعية ومالية لا يضاهيها إقليم آخر في العالم، والشعوب الخليجية توّاقة ومتعطشة لمجمل أشكال الاندماج والوحدة، ورغم ذلك وبعد ثلاثة عقود من الزمن لا يجمعها أي هوية محددة أو شبكة مواصلات أو مشاريع اقتصادية مشتركة أو عملة واحدة، بل لا تملك الدول الخليجية الست منظوراً أمنياً أو دبلوماسياً يعبر عن استراتيجية سياسة ودفاعية ثابتة.
ومازالت القمم الخليجية السنوية رغم تولي زعامات سياسية جديدة خلفت القادة المؤسسين (رحمهم الله) بشكل كامل تقريباً تدور حول ذات المواضيع الأولية، التي كانت محل نقاشات التشاورية والرسمية قبل أكثر من عقدين من الزمن، بل وعلى الرغم من أن نفس التحديات الأمنية التي واكبت مسيرة هذا المشروع الخليجي منذ اليوم الأول، فإنه قد فشلت مساعي الدفاع الإقليمي المشترك وبقي درع الجزيرة مدفوناً في الصحراء القاحلة حتى ابتلعته رماله إلى الأبد.
لقد أنفقت دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقود الثلاثة الماضية، ما يقارب التريليون دولار على الشؤون العسكرية وموازنات الدفاع، إضافة إلى ارتباط معظم الأعضاء بتحالفات استراتيجية مع الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة من دون أن يحقق لها ذلك أي شعور بالأمن، والمنطق العسكري يفترض أن يكون هذا الصرف كفيلاً ببناء قوة عالمية وليست إقليمية ضاربة تحسب لها القارة الآسيوية برمتها ألف حساب، ولكن الواقع لا يمت بذلك بأي صلة، ومن المؤكد أن تستمر مسيرة مجلس التعاون بهذا المنحنى الاستنزافي للطاقات والموارد
مادامت قواعد التكامل الحقيقي والإرادة السياسية مفقودة.
أما على الصعيد الاقتصادي فلا تزال دول المنطقة في عداد العالم النامي يهيمن عليها النمط الاستهلاكي المفرط، وانعدام الاقتصاد المنتج رغم أن مئات المليارات من أموال الخليج تدير العديد من البرامج الصناعية والاستثمارية والعقارية والائتمانية حول العالم.
إن ما نفتقده بحق في هذه المنطقة الحيوية من العالم هو الثقة؛ والثقة بإمكاناتنا، والثقة بقدراتنا، والثقة بالنجاح والثقة ببعضنا البعض، وأقل مقاربة يمكن الاستشهاد بها في هذا الصدد هو أن ننظر أين وصلت التجربة الأوروبية، على سبيل المثال، بعد 27 سنة من انطلاقها بعد الحرب العالمية الثانية أي في عام 1972، بل أين بلغت الوحدة الأوروبية الآن بعد انطلاقها من جديد في عام 1991 لنعرف أين نحن في قاموس الاندماج الإقليمي والوحدة الخليجية؟!