عندما يتدخل المشرع بقانون بغية إسقاط فوائد القروض فإن ذلك ينطوي على مخالفة لأحكام المبادئ الدستورية المنصوص عليها في ست مواد دستورية هي: المواد 18 و19 و32 و34 و50 و179 من الدستور، نظرا إلى إنتهاكه حرمة الملكية الخاصة، وإهداره مبدأ شرعية التجريم والعقاب، واختراقه مبدأ الفصل بين السلطات باغتصاب التشريع لوظيفة القضاء.تنص المادة 18 من الدستور على أن الملكية الخاصة مصونة، دون أن يترك الدستور للقانون كفالة هذه الحصانة أو حمايتها، كما فعل بالنسبة إلى حقوق وحريات أخرى ومبادئ ترك الدستور للقوانين كفالتها.
والحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة تمتد إلى كل حق ذي قيمة مالية، سواء كان حقاً شخصيا أو عينياً، وهو ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في مصر في حكمها الصادر بجلسة 12/2/1994 في القضية رقم 23 لسنة 14ق.
ومن ثم تتسع هذه الحماية لكل الأموال وثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، لتشمل في ما تشمله فوائد القروض التي تقرضها البنوك، والتي تستحقها طبقاً للقانون، والتي قدم اقتراح بإسقاطها لتتحملها البنوك، بديلاً عن شراء الدولة المديونيات.
وتعتصم الملكية الخاصة للأموال بهذه الحماية التي كفلها الدستور، في مواجهة أي قانون تقره السلطة التشريعية، فلا يجوز لهذه السلطة أن تقر قانوناً يمس الحماية المقررة لهذه الأموال.
وفي سياق هذه الحماية تحظر المادة 18 من الدستور أن ينزع من أحد ملكه إلا بسبب المنفعة العامة في الأحوال المبينة في القانون، وبالكيفية المنصوص عليها فيه، وبشرط تعويضه تعويضاً عادلاً.
وفي هذا السياق أيضاً تورد المادة 19 من الدستور نوعين آخرين من الحظر يخصان مصادرة الأموال أولهما: حظر مطلق، في ما تنص عليه من أن:
«المصادرة العامة للأموال محظورة».
أما الحظر الثاني فهو حظر ينظم المصادرة الخاصة للأموال في ما نصت عليه هذه المادة من أنه:
«لا تكون عقوبة المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي، في الأحوال المبينة بالقانون».
ولأن الدستور وصف المصادرة الخاصة للأموال بأنها عقوبة، فلابد أن تكون هناك جريمة توقع فيها المحاكم هذه العقوبة.
وتعتبر عقوبة مصادرة الأموال، نتاج تطور العقوبة في عقائد الناس وتفكيرهم، عندما انتقلت من بدن الإنسان إلى حريته، لما صار لهذه الحرية المقام الأول في عقائد الناس وتفكيرهم، ثم بدأت العقوبات التي ترد على المال تغزو منطقة العقوبات المقيدة للحرية منذ منتصف القرن التاسع عشر، عندما أصبح طلب الثروة أو الغنى والاستزادة من المال، يزاحم الحرية مكانها ومقامها، وبعد الازدياد المستمر في ما يطلق عليه الجرائم الاقتصادية.
ولا تعرف الشريعة الإسلامية العقوبات التي ترد على المال ومنها الغرامة وعقوبة المصادرة، والتي تؤول حصيلتها إلى الدولة، وإن كانت تقرر الدية والإرث للمجني عليه أو أولياء دمه، وليس للحاكم أو الدولة.
ولأن المصادرة الخاصة للأموال عقوبة وفقاً للتعريف الذي أضفاه عليها الدستور، فهي رد فعل لجريمة أو هي عدل الجريمة، الأمر الذي تطل معه علينا نصوص ومبادئ دستورية أخرى نستعرضها في ما يلي:
1 - مبدأ شرعية التجريم والعقاب، وهو المبدأ الذي قننته المادة 32 من الدستور في ما نصّت عليه من أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون».
وهو مبدأ تنزل به قوله تعالى «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا»، قبل أن تأخذ به التشريعات الحديثة بمئات السنين.
2 - مبدأ عدم رجعية التشريعات الجزائية، وهو مبدأ قننته كذلك المادة 32 من الدستور في ما نصت عليه من أنه «لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها»، ورسخته المادة 179 في ما تنهي عنه وبشكل مطلق أن تتضمن القوانين الجزائية أثراً رجعياً.
3 - ويتفاعل مع المبدأين السابقين، مبدأ ثالث نصت عليه المادة 34 من الدستور، هو أن:
«المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها كل الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع».
4 - ويُظلل المبادئ الدستورية السابقة جميعاً، مبدأ هو الحارس لها جميعا، هو مبدأ الفصل بين السلطات الذي نصت عليه المادة 50 من الدستور.
والذي في ظله تقوم السلطة التشريعية بتأثيم ما تراه من أفعال تصدم شعور الناس بالعدل، لمخالفتها القانون والعقائد والقيم التي تسود المجتمع، والتي يتجاهلها الجاني أو ينتهكها في ما يرتكب من أفعال، كما تحدد السلطة التشريعية ما تراه عدل هذه الجريمة من عقوبات سالبة للحرية أو مالية ومنها عقوبة المصادرة الخاصة للأموال المتحصلة من الجريمة والتي كانت موضوعاً لها.
ويأتي دور القاضي الذي يوقع العقوبة على الأفعال اللاحقة للعمل بهذا القانون، في محاكمة قانونية تؤمن للمتهم فيها كل الضمانات لممارسة حقه في الدفاع عن نفسه، بما لا يجوز معه للمشرع أن يجمع بين الأمرين معاً تجريم الفعل وتوقيع العقوبة عليه، بقاعدة عامة مجردة لا تتثبت من وقوع الجريمة المعاقب عليها أو إسنادها إلى فاعلها، ومسؤوليته عنها.
ولهذا يكون تدخل المشرع بقانون لإسقاط فوائد القروض منطوياً على مخالفة لأحكام المبادئ الدستورية المنصوص عليها في المواد 18 و19 و32 و34 و50 و179 من الدستور، بانتهاكه حرمة الملكية الخاصة، وإهداره مبدأ شرعية التجريم والعقاب، واختراقه مبدأ الفصل بين السلطات باغتصاب التشريع لوظيفة القضاء.
وجدير بالذكر أن أول حكم أصدرته المحكمة الدستورية منذ تاريخ انشائها في عام 1973، بعدم دستورية قانون، هو الحكم الذي أصدرته بعدم دستورية القانون رقم 18 لسنة 1969 بشأن تحديد أملاك الدولة خارج خط التنظيم العام، لما انطوى عليه من إهدار لحق الملكية الخاصة (الحكم الصادر بجلسة 11/7/1981 في الطعن رقم 1 لسنة 1981).