لكي لا تتكرر جريمة مدرسة العارضية
حتى نتلافى حدوث مثل هذه الجرائم البشعة في المستقبل، فإنه يجب البحث بشكل عميق في الأسباب الرئيسة التي أدت إليها، فما حصل يعتبر نتيجة لعدة أسباب، من ضمنها عملية المتاجرة بالبشر على حساب المصالح الوطنية.
الجريمة النكراء التي حصلت الأسبوع الماضي في مدرسة عبدالعزيز حمادة الابتدائية للبنين في منطقة العارضية عندما قام بعض عمال النظافة في المدرسة بالاعتداء الجنسي على بعض تلاميذ المدرسة الذين لا تتجاوز أعمارهم الحادية عشرة، تعتبر من الجرائم البشعة التي يجب علينا ألا نتوقف فقط عند شقها السياسي، مع أهميته، بل يجب أن نتعدى ذلك للبحث عن الأسباب الحقيقية التي أدت، وقد تؤدي مستقبلا، إلى مثل هذه الجرائم الشنيعة، ونحاول العمل على تلافيها.إن من المسلمات الدستورية أن يتحمل الوزير المسؤولية السياسية عما يجري في وزارته، وفي هذه الجريمة النكراء فإن الوزيرة تتحمّل سياسيا مسؤولية الكيفية التي تعاملت هي وأجهزة وزارة التربية بها مع هذه الجريمة، وكذلك مسؤولية طبيعة ومحتوى المعلومات والبيانات المتسرعة التي أعلنوها للرأي العام، وما حملت من عبارات غير مناسبة وسوء تقدير ما كان يجب أن يحصل في أثناء التعامل مع حدث بهذه البشاعة، ولكن هل نتوقف فقط عند تحمل المسؤولية السياسية؟ وهل استقالة الوزيرة بحد ذاتها تكفي لعلاج المشكلة وضمان عدم تكرارها في المستقبل؟ لا أظن ذلك... فمن المفروض ألا يتوقف الأمر عند ذلك فقط كما حصل في حوادث مشابهة من حيث طبيعة المسؤولية السياسية التي تم على إثرها استقالة الوزراء المعنيين، كاستقالة د.عادل الصبيح إثر الحريق النفطي أو استقالة د.معصومة مبارك بعد الحريق الذي اندلع في مستشفى الجهراء، ولكن رغم استقالات الوزراء المعنيين فإنه لم تتم مناقشة وتحليل الأسباب الرئيسة لتلك الحوادث التي من الممكن أن تتكرر في أي وقت ومع أي وزير، كما أنه لم تتم متابعة كيفية معالجة ما ترتب عليها من آثار، وكأن الأمر انتهى بمجرد تحمل المسؤولية السياسية واستقالة الوزير!ومن المؤسف حقاً أن يتم التركيز على الجانب السياسي فقط أثناء التعامل مع هذه الجريمة النكراء، وكأن معاناة الناس وآلامهم النفسية مادة خصبة للمزايدات السياسية، فلم يتم التطرق بشكل جدي، لا من قبل أعضاء المجلس ولا من قبل مسؤولي وزارة التربية، إلى كيفية التعامل مع علاج ما يشعر به الأطفال الأبرياء ضحايا هذه الجريمة وأسرهم المفجوعة وزملاؤهم التلاميذ الصغار من معاناة وآثار نفسية مؤلمة، قد تدوم طويلاً وتؤثر في بناء شخصياتهم وفي مستقبلهم الدراسي، إن لم يتم التعامل معها بشكل علمي سريع. إذ كان، ولايزال، من المفروض أن يتم وبشكل عاجل جداً التنسيق بين وزارتي التربية والصحة لتوفير برنامج خاص للتأهيل والرعاية النفسية لجميع المتضررين، وبالتحديد الضحايا الأبرياء، فعلاوة على جريمة الاعتداء الجنسي البشعة التي تعرض لها التلاميذ الأبرياء، فإن التركيز الإعلامي المكثف والمستمر في الصحافة اليومية، والعبارات الجارحة وغير المناسبة التي استخدمها بعض أعضاء مجلس الأمة أثناء تعليقهم على هذه القضية، سيؤثرون نفسيا في جميع هؤلاء الضحايا، وربما يتعداهم التأثير ليشمل أيضا جميع تلاميذ المدارس خصوصاً صغار السن وأولياء أمورهم.علاوة على كل ذلك، وحتى نتلافى حدوث مثل هذه الجرائم البشعة في المستقبل، فإنه يجب البحث بشكل عميق في الأسباب الرئيسة التي أدت إليها، فما حصل يعتبر نتيجة لعدة أسباب، من ضمنها عملية المتاجرة بالبشر على حساب المصالح الوطنية، فالأغلبية العظمى من هذه العمالة ليست هنالك حاجة فعلية أو تنموية إليها، بل إنها تعتبر عبئاً تنموياً على الدولة، كما تعيش هذه العمالة غير المؤهلة في ظروف غير إنسانية ولا يعرف إلا النزر القليل جداً عن سجلها الجنائي والصحي.كما أن عدم فعالية أنظمة الأمن والسلامة في المدارس من ضمن الأسباب التي أدت إلى الجريمة، مما يتطلب قيام وزارة التربية بمراجعة شاملة لهذه الأنظمة، هذا وقد اتضح في أثناء التعامل مع الأزمة حاجة الوزارة إلى ترتيب دورات تدريبية متخصصة لقيادييها في ما يسمى في علم الإدارة بـ«إدارة الأزمات» لتأهيلهم لكيفية التعامل الفعال مع هذا النوع البشع من الجرائم وغيرها، والتي قد تحدث بشكل مفاجئ، فقد اتضح الخلل الإداري في أجهزة الوزارة والذي كان من ضمن مظاهره عدم دقة المعلومات والتناقض في التصريحات والقرارات التي اتخذها مسؤولو الوزارة، خصوصا على مستوى المنطقة التعليمية، مما انعكس بشكل سلبي على كيفية تعامل الوزيرة مع الحدث وسبب لها حرجا سياسيا أمام الرأي العام هي في غنى عنه، وعمق من أزمتها السياسية خصوصاً، وهي تواجه استجواباً قادماً وظروفاً سياسية غير مريحة لا تخلو من سبق الإصرار و الترصد السياسي.