Ad

شهدت حقبة الثمانينيات هدماً وتقويضاً لأركان الدولة ومنظومتها القانونية، وتم فيها تجاوز المعايير الدستورية والإنسانية كلها، ما نخشاه بروز بوادر لبعض القواسم المشتركة بين تلك الحقبة وأيامنا التعسة التي نمر بها.

أضع يدي على قلبي خوفاً على هذا الوطن المتعب، فالوطن وسط القلب، والوطن بدأت تظهر عليه أمراض الفرقة والتشتت.

التاريخ لا يعيد نفسه، فأيامنا هذه ليست أيام الثمانينيات، ولا ينبغي لها أن تكون. فحقبة الثمانينيات كانت حقبة شوهاء، بوهاء، تم فيها تجريد الوطن من ملابسه القانونية والدستورية، وتم تركه عارياً على قارعة الطريق، يعاني أمراض السل الرئوي وهشاشة العظم السياسية.

حقبة الثمانينيات المشؤومة تلك لا يمكن لها أن تعود فقد تم تدشينها بمحاولة تنقيح الدستور سعياً إلى إلغائه، وتعديل الدوائر إلى نظامها الخمس والعشرين المشوه، وانتهت نتائجها بالغزو العراقي البائس.

حقبة جرى فيها ما جرى من عبث وافتئات على البلاد والعباد بحجج كالحفاظ على أمن الوطن من عبث العابثين، والضرب بيد من حديد على مَن تسول له نفسه المساس بمقومات الدولة.

كانت حقبة تم فيها هدم وتقويض أركان الدولة ومنظومتها القانونية، وتم فيها تجاوز المعايير الدستورية والإنسانية كلها، ما نخشاه بروز بوادر لبعض القواسم المشتركة بين تلك الحقبة وأيامنا التعسة التي نمر بها؛ ربما بدايات استفحال الفرز الطائفي، و«ولوعه» في إناء الوطن، وتحويله -إن تركناه- إلى جمرة من نار لا تبُقي ولا تذر.

ضاع العقل آنذاك، وتوارت الحكمة، وحل محلها المنظور الأمني، وسيطرت عليها التعميمات الظالمة، وهيمنت عليها الفئوية، وتاه فيها البصر وضاعت البصيرة، ولم يجدنا الغزاة المجرمون إلا لقمة سائغة، افترسوها من دون هوادة، والتهموها التهاماً.

حقبة الثمانينيات تلك لن تعود، ولا يمكن لأي ممَن يحمل في ضميره ذرة من الوطنية أن يسمح بعودتها أو بعودة شيء منها تحت أي مبررات أو حجج.

كم أرهق ذلك القلب المتعب الوطن داخله... وأعاننا الله على ما هو قادم، وعبر بنا إلى بر الأمان.