كان أي رئيس وزراء إسرائيلي ولايزال يواجه أي تدخل في شأن مفاوضات السلام، يقول إنه رئيس وزراء دولة ديموقراطية، وإنه لا يستطيع إغضاب الرأي العام في بلاده، أما بالنسبة للعرب ومن بينهم الفلسطينيون بالطبع فإن زعماءهم محظوظون لأنهم انتخبوا أنفسهم للمواقع التي يحتلونها مدى الحياة.دائماً وأبداً ومنذ البداية بقي الإسرائيليون يلعبون مع العالم لعبة أنهم ديموقراطيون وأن أقوى رئيس وزراء لا يستطيع أن يقْدم على خطوة بالنسبة لعملية السلام إلا بعد العودة إلى الوضع الداخلي ومراعاة واقع القوى السياسية الممثلة بنسب متفاوتة في الكنيست «البرلمان» وغير الممثلة، وحقيقة، إن هناك ديموقراطية حقيقية في إسرائيل وإن موازين القوى الحزبية هي التي تتحكم في خط سير أي حكومة سواء بالنسبة للقضايا الداخلية أو بالنسبة للقضايا الخارجية.
كان المفاوضون الإسرائيليون ومازالوا يتحدثون، وهم يفاوضون، عن تنازلات مؤلمة حتى عندما يتعلق الأمر بإزالة حاجز في الضفة الغربية أو بالاستجابة لأدنى استحقاقات القرارات الدولية، وكان أي رئيس وزراء إسرائيلي ولايزال يواجه أي تدخل دولي سواء من قبل الأمم المتحدة أو أميركا أو الاتحاد الأوروبي بالقول إنه رئيس وزراء دولة ديموقراطية، وإنه لا يستطيع إغضاب الرأي العام في بلاده، وإنه مضطر لمراعاة أن معارضيه جاهزون لأن يستغلوا ضده أي خطوة غير محسوبة العواقب.
أما بالنسبة للعرب ومن بينهم الفلسطينيون بالطبع فإن زعماءهم، وهذا قاله الإسرائيليون للسادات ولغير السادات ليس مرة واحدة بل ألف مرة، محظوظون لأنهم انتخبوا أنفسهم للمواقع التي يحتلونها مدى الحياة، ومن المهد إلى اللحد، ولأنهم هم أصحاب القرار الأول والنهائي حتى إذا تعلق الأمر بمصائر الأوطان ومستقبل الشعوب، ولأن الزعيم العربي، حسب رأيهم أي حسب رأي الإسرائيليين والأميركيين وكل أمم الأرض، هو مجرد شيخ قبيلة كبيرة، وأنه يستطيع التصرف وكأن هذه القبيلة ملك له بعيالها وحلالها وأرضها وسمائها.
والمؤذي للنفس والجارح للكرامة والموجع للضمير أن بعض الزعماء العرب يطربون لكل هذا الذي يسمعونه من الإسرائيليين ومن غير الإسرائيليين وكأنه عيب وعار أن تكون هناك شعوب يقظة تحاسب وتراقب، وأن تكون هناك أحزاب وقوى اجتماعية تقف بالمرصاد لأي هفوة حتى إن كانت صغيرة، ولعل الأكثر إيذاءً للروح والضمير والكرامة أن العالم يتصرف مع كل الدول أو معظمها على هذا الأساس وانطلاقاً من هذه القاعدة.
الآن وعملية السلام الفلسطينية–الإسرائيلية تنطلق مجدداً بعد توقف سبع سنوات عجافٍ فعلاً لم يتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت عن عزف المعزوفة نفسها التي عزفها جميع الذين سبقوه، وهي أنه مستعدٌ لتقديم تنازلات مـؤلمة وأنه يواجه قوى ذات أنياب حادة في الكنيست وخارجه، وأن حكومته مهددة بالانهيار إن هو تمادى في تقديم مثل هذه التنازلات... وأي تنازلات؟!
وهنا فإنه مـن المفيد التذكير بأن الملك عبدالله بن عبدالعزيز كان قد ردَّ على سؤالٍ وجهته إليه هيئة الإذاعة البريطانية الـ«بي.بي.سي» عشية آخر زيارة قام بها إلى بريطانيا حول «التنازلات» التي يريدها العرب من الإسرائيليين بالقول: «إن لنا حقوقاً وإننا نريد هذه الحقوق ونحن لا نطالب بتنازلات» وحقيقة، إن هذا هو بيت القصيد بالنسبة للتفاوض مع الإسرائيليين، فالفلسطينيون عندما يطالبون بالقدس وحق العودة والدولة المتصلة الحدود والانسحاب من الأراضي التي احتلت في حرب عام 1967 فإنهم يريدون حقوقهم وهم لا يطالبون إسرائيل بتنازلات.
إن مشكلة إيهود أولمرت مع معارضيه في الكنيست ومع الأحزاب والقوى الإسرائيلية ومع وزير دفاعه ووزيرة خارجيته ومع بنيامين نتنياهو هي مشكلته وحده وأن الفلسطينيين والعرب عندما يطالبون بحقوقهم فإنهم يطالبون إسرائيل كدولة محتلة وكدولة قامت أساساً على الاغتصاب والاحتلال... ويبقى هنا أنه على العرب والفلسطينيين خصوصاً، شعوباً وزعامات، ألاَّ يبقوا يتصرفون بعقلية القبيلة وزعامتها، فالصراع طويل ومعقد، وأحد الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها الإسرائيليون هو أن القائد العربي يتصرف بحرية مطلقة حتى بالنسبة لمصائر الأوطان ومستقبل الشعوب، أما القائد الإسرائيلي فإنه مقيد بإرادة شعبه وبديموقراطية لايرف لها جفن!!
* كاتب وسياسي أردني