Ad

لا يمكن أن تمضي المسيرة الديموقراطية من دون عثرات ومصاعب، لكن المهم ألا تنكص على عقبيها، لأنه إن حصل ذلك وارتدت في الاتجاه المعاكس فلن نأمن على أنفسنا من أن نفيق يوماً فنجدنا وقد صرنا أقرب إلى أجواء دولة مركزية سلطوية لا دولة مؤسسات وديموقراطية.

* من الطبيعي أن تواجه كل مسيرة للديموقراطية، وخصوصاً في بداياتها، العديد من التحديات. روح الديموقراطية الداعية إلى الانفتاح والتحرر والحرية، لابد أن يظهر لها مَن يقفون ضدها من الأطراف جميعها ولأسباب مختلفة. بعضهم سيرى في استمرارها وتطور مسيرتها انفلاتاً لخيوط السلطة من يده، وسيسعى لكبحها محاولاً إبقاء الأمور تحت سيطرة فكره المركزي بقدر ما يستطيع، وإن اضطر فلن يسمح للناس إلا بممارسة ديموقراطية شكلية فارغة من الداخل. بعض آخر يرى في بعض مناحي الديموقراطية خروجاً ربما عن الدين والشرع، كما كان بعضهم لا يرى مشروعية المشاركة في المجالس البرلمانية، وبعدها مشاركة المرأة السياسية وإشهار الأحزاب وغيرها. بعض آخر قد يرى في الديموقراطية خروجاً عن التقاليد والأعراف والنظام الاجتماعي الذي كان قد وجد آباءه عليه في البلد. وبعض آخر، وآخر، وآخر.

الخلاصة أن قدر الديموقراطية، بمفهومها الواسع، وبالرغم من كونها النظام الأكثر استيعابا للناس بفئاتهم المختلفة والأكثر تسامحاً معهم، أن تواجه أحياناً وبقسوة شديدة من الناس أنفسهم التي جاءت لأجل إسعادهم.

لا يمكن أن تمضي المسيرة الديموقراطية من دون عثرات ومصاعب، لكن المهم ألا تنكص على عقبيها عند مواجهة هذه العثرات والمصاعب، لأنه إن حصل ذلك وارتدت في الاتجاه المعاكس أو حتى تلكأت وترنحت لوقت أطول من المعقول والمقبول، فلن نأمن على أنفسنا من أن نفيق يوماً فنجدنا وقد صرنا أقرب إلى أجواء دولة مركزية سلطوية لا دولة مؤسسات وديموقراطية.

وبطبيعة الحال، فحين أتحدث عن الديموقراطية وكأنها كائن حي يملك إرادته الذاتية فإنني أقصدها بمكوناتها البشرية التي تقف خلفها سواء على مستوى النظام أو الحكومة أو الشعب بمؤسساته المدنية المختلفة وقواه السياسية وكوادره الناشطة.

* في ظل واقع يصر فيه الكثير من أبناء القبائل على اعتبار قبائلهم قوى سياسية من حقها أن تمارس دورها في الحراك السياسي الدائر، وصولاً إلى حقها في عقد انتخابات داخلية لفرز مرشحيها للبرلمان، حالها في ذلك حال القوى السياسية التي تنعقد حول لواء الفكر الذي يجمع الناس ولو من أصول وأعراق مختلفة، أجدني مضطراً لطرح القضية التالية: في يوم من الأيام كتبت أطالب أحد الإسلاميين ممن أثيرت حوله شبهات مالية وصلت إلى حد الفضيحة، بتوضيح الحقيقة ليس من باب إبراء ذمته على المستوى الشخصي فلم يكن ذلك يعنيني، وإنما من باب أن التيار الإسلامي برمته كان واقعا في دائرة الاتهام بالتبعية. واليوم أجدني أطالب النائب السابق والمرشح الحالي حسين مزيد المطيري بتوضيح حقيقة موقفه مما يثار حوله من تنفيع أو محاباة لأخ أو قريب له يوم كان رئيساً للمجلس البلدي بالوكالة لإقامة مطعم بشكل غير قانوني. هذه المسألة تعدت دائرة الإشاعات التي من المعتاد أن تطلق في أيام الانتخابات، وبلغت مستوى أكبر من ذلك من خلال صور لوثائق انتشرت على شبكة الإنترنت. ما دفعني للكتابة عن الموضوع أن بعضهم يقوم بتوسيع دائرة مثل هذه الاتهامات وإقحام القبيلة بأسرها فيها من باب أن هذه هي اختيارات القبائل وهذه هي إفرازاتها، وبالفعل إن كانت القبائل تريد أن تعامل ككتل سياسية، بالرغم من رفضي المطلق لهذه الفكرة جملة وتفصيلاً، فعليها في المقابل أن توضح موقفها من مثل هذه الاتهامات التي تطال ممثليها. أثق من قدرة المرشح حسين مزيد على الرد.

* د. عمران القراشي، ربما تعرفونه بطروحاته غير النمطية، ومواقفه وتصرفاته غير المألوفة والمفاجئة، مثل ربطه لنفسه بالسلاسل للتعبير عن احتجاجه على هامش قضية ما، أو اعتصامه أمام سفارة لإيصال رسالة رفض عن موقف سياسي معين، وهكذا. اليوم يقبع د. عمران في مستشفى الطب النفسي بعدما اقتادته الشرطة إلى هناك إثر اعتصام أخير له أمام السفارة الأميركية وحرقه للعلمين الأميركي والإسرائيلي.

رسالتي هنا هي أنه بما أننا في بلد مؤسسات ودستور وديموقراطية، وطالما أن الرجل ظل يمارس ما يؤمن به في الإطار السلمي، وبغض النظر عن أسلوبه المختلف في التعبير، فكل ما نملكه أن نتركه يمارس أنشطته طالما أنه لا يقترف أي خطأ قانوني، وطالما أن الأطباء لا يرون مانعاً صحياً لخروجه من المستشفى.

الدكتور عمران ليس أول ولا آخر من أحرق علم أميركا ولا آخر من داس علم إسرائيل، فقبله فعلتها قوى سياسية وجماعات طلابية كثيرة، ولم نقل عنهم مجانين!