جهيمان وحصار مكة!
حادثة حصار الحرم المكي التي تمت بقيادة جهيمان بن سيف العتيبي لم تكن الحدث المزلزل الوحيد في تلك الحقبة، فهي حقبة كانت عاصفة مرت بها أحداث كالحرب الأهلية اللبنانية، وزيارة السادات للقدس، والثورة الإيرانية، والغزو السوفييتي لأفغانستان، وهي أحداث ربما يوجد بينها ترابط بقدر أو بآخر.
في مثل هذه الأيام وبالتحديد في العشرين من نوفمبر 1979 وبينما كانت أنظار العالم منتبهة ومركزة على طهران حيث كانت تدور رحى أزمة الرهائن الأميركيين الذين تم احتجازهم في السفارة الأميركية مدة 444 يوماً بالتمام والكمال، تحولت الأنظار إلى حدث أكبر وأخطر وأكثر دلالة حين قام المئات من المسلحين، ومع بدء السنة أو القرن الهجري، بالسيطرة على الحرم المكي حيث كانوا قد هربوا الأسلحة داخل أكفان. وفي فجر ذلك اليوم أعلن المسلحون ظهور المهدي وعرضوه على الملأ وأغلقوا أبواب الحرم وطالبوا المصلين والذي قارب عددهم المئة ألف بمبايعته. وكان أن سعت السلطات السعودية إلى فك الحصار لكن تلك المساعي لم يُكتب لها النجاح بالسرعة المتوقعة حيث استمر القتال أسبوعين حتى استطاعت تلك القوات وبمساعدة فرنسية من إنهاء الحصار والقبض على المسلحين الذين تكونوا من 12 دولة مختلفة فيهم اثنان من الأميركيين. وعلى أي حال، فإن حادثة حصار الحرم المكي والتي تمت بقيادة جهيمان بن سيف العتيبي لم تكن الحدث المزلزل الوحيد في تلك الحقبة، فهي حقبة كانت عاصفة مرت بها أحداث كالحرب الأهلية اللبنانية، وزيارة السادات للقدس، والثورة الإيرانية، والغزو السوفييتي لأفغانستان، وهي أحداث ربما يوجد بينها ترابط بقدر أو بآخر.وهي حادثة كبرى لا يمكن دسها تحت السجادة فلربما كانت بدايات التكون الرمزي لـ«القاعدة»، وما تلا ذلك من أحداث في التسعينيات وبداية القرن الحادي والعشرين في مانهاتن نيويورك حتى العراق... وما زال المسلسل مستمراً.وربما هذا ما حاول أن يثبته ياروسلاف تروفيموف في كتابه الجديد بذات العنوان «حصار مكة» وأتبعه بعنوان فرعي أكثر دلالة وهو «الانتفاضة المنسية في أقدس الأماكن الإسلامية وولادة «القاعدة» وقد بذل المؤلف جهداً ملحوظاً في تجميع مادته العلمية ومعلوماته ومقابلاته، بالإضافة إلى تمكنه من الحصول على وثائق كانت محظورة وسرية من مصادر عدة كوزارة الخارجية الأميركية وغيرها. والتي خلص فيها إلى أن الأسلوب الذي تم التعامل به مع ظاهرة «الحركة الجهيمانية» كان هو الذي أفضى في نهاية الأمر إلى ولادة «القاعدة».ويبدو أن العديد من الدراسات الأكثر جدية في هذا المضمار قد أخذت طريقها إلى النور كدراسة مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت بعنوان «شروخ في القاعدة» عن تناقضات القيادة لتنظيم «القاعدة» منذ 1989 وحتى 2006، ودراسة ستيفن لاكروا وتوماس هيجهام الأخيرة عن قصة جهيمان العتيبي وانعكاساتها على الوضع الراهن، ربما نجد فرصة في المستقبل لنقاشها. فبعض الأفكار المطروحة فيها جديدة وتطرح تفسيرات ذكية نحن في حاجة إلى فهمها وتداولها واستيعابها لعلَّنا ننجح في الخروج من المأزق الذي تعيشه هذه الأمة.