بعد نشر أسماء المتجنسين الجدد، شرعت صحافة الموبايل، عبر الرسائل النصية «SMS» بالسخرية الفجة من بعض أسماء المواطنين لظنهم المتعالي الأجوف بأن اسم المرء، لأنه يبدو لهم غريباً، يشين صاحبه، ويعيب حامله! ناسين ومتناسين أن الإنسان لا يختار اسمه بداهة! وفاتهم في غمرة عجرفتهم أن هناك بعض الأسر الكريمة «الأصيلة» في ديرتنا يحملون ألقاباً تنتمي إلى الحيوانات البرية والبحرية، ومنحوتة من البيئة التي كان أجدادهم يقطنوها. ولو شئت التدليل على ما ذهبت إليه لتحولت المقالة إلى دليل تليفون! ولان قومنا هذه الأيام «كباريت» يثورون لأهون سبب، فأضرب أمثلة على أسماء بعض العائلات الشائعة في الأقطار العربية الشقيقة: فثمة عائلات كريمة مشهورة تكني بألقاب؛ الفار، والقط، والجحش، والفهد، والديك، وغراب، وحمامة، وتأبط شرا، والشمقمق، والباججي، والجقمقجي، وحردان، وزعلان، وغيرها من الأسماء التي يعتز بها أصحابها، ولا يجدون فيها مثلبة ولا غضاضة. وفي هذا السياق أذكر أني قرأت مبحثاً طريفاً للأستاذة الدكتورة «سامية حسن الساعاتي» كرسته بدلالات تغير أسماء المصريين، وشيوع بعضها خلال عهدي الملكية والجمهورية، الأمر الذي يشي بأن الأسماء تتغير وفق تغير الأحوال كما هو دأب العرب وعادتهم على مر السنين. ولو أن الاسم يغني عن الفعل، ويتماهى بالممارسة مع حامله لما وجدت إنسانا اسمه شريف بينما هو حرامي وغير أمين، أو أن اسمه جميل وهو يقول للقرد بكل ثقة: «قم لأقعد مطرحك»! وعلى ذلك فقس... أو «ف شيخ» إن كان لا يعجبك «القس»!... مع تقديري للاثنين... وكل إنسان من بني آدم عليه السلام.

Ad

والأنكى من ذلك كله أن النظرة المتعالية الدونية تجاه خلق الله تنسحب على العمل اليدوي الشريف، وهي نظرة مغرقة في القدم، مترسخة جذرياً في ثقافة التعالي على كل فعل يدوي شريف! وكان الظن المتفائل يتكئ على أن قيم الإسلام المحرضة على عمارة الأرض ستئذ النظرة الدوينة التي كانت سائدة أيام الجاهلية، لكن يبدو أن سطوة حضور العادة في حياتنا الاجتماعية قد تكون أكثر أهمية من العبادة في عرف هذه الفصيلة من الطواويس! لكن الذي يعزي الكاتب في هذا السياق: أن كويت البحر والغوص والتجارة في ديرة بيوت الطين لم يستنكف أهلها البسطاء من عمل الصفّار، والنجار، والبنّاء، والصائغ ومنظف الصرف الصحي (جليب نعم)، والمطهر الذي يقوم بختان الأطفال، ومجبر الكسور، والطباخ، وراعي الغنم، والجزار، والزارع، وغيرها من المهن اليدوية التي لم يخش أصحابها من ممارساتها، كما أن نظرة المجتمع إليها ومواليها تتسم بالتقدير، متأسيين بالقول المأثور: «خادم القوم سيدهم»، فضلاً عن أن الرجال مخابر وليسوا بمناظر! من هنا لا قيمة مطلقاً لكل هذر يلوكه بعضهم في معرض رفضهم لتجنيس مَن لا يروق لهم اسمه ورسمه ومهنته! حتى لو كان «بنشرجي».

* ولو أن الحكومة الرشيدة التزمت بالمعايير الموضوعية التي صاغها مجلس التخطيط المقترح للجنسية لما سمعنا الأصوات النشاز إياها، ولما حدث هذا اللغط العقيم النافي لقيم الإسلام وتعاليمه، ولوئدت التجاوزات التي اخترقت المعايير الموضوعية العادلة لسياسة التجنيس. لكن الحكمة بعد وقوع البلية ليست من الحكمة في شيء كما نوهت بذلك مراراً وتكراراً. ولكن ماذا نفعل إذا كنا ابتلينا بفصيلة لا تتعلم ولا تتعظ من المحن والفتن... بما فيها محنة الاحتلال «الصدامي» ذاتها؟! فما إن تحررت البلاد- ولله الحمد- حتى «عادت ريمه إلى مثالبها وعيوبها القديمة».

ورحم الله المعلم «ابن سينا» حين قال: «ينبغي على العاقل أن يخاطب الجاهل مخاطبة الطبيب للمريض»، ولذا فإن المكان اللائق بطواويس بني نفط هو مستشفى الطب النفسي بـ «الصليبخات»، لكن المشكلة هنا أن هذا المستشفى كامل العدد، ولا مكان فيه لمزيد، فضلا عن أنه ذاته يداوي الناس وهو عليل! فما برحت وصمة العار التي وصمة بها أحد وزراء الصحة السابقين حاضرة فيه لا تريم! ذلك أن جُل هؤلاء الطواويس كمَن «يسب إبليس في العلانية، وهو صديقه في السر»! بحسب قولة «وهب بن منبه». ولا حاجة إلى الإشارة إلى أن هذه الصداقة مردها الغيرة على المصالح الشخصية بكل تجلياتها، ولا علاقة لها مطلقاً بمصالح البلاد كما يبدو علناً!

إن البلية في هذا البلد اضطرارك إلى مناقشة البديهيات التي لا يجادل فيها أحد سوى طواويس بني نفط ومن لف لفهم! فتراهم لم يوفروا شيئاً بشأن أخواننا البدون وقرار تجنيس الصالح منهم؛ المستأهل لحق المواطنة، فلِمَ يخوضون فيه بلسان ولغة الغمز والهمز واللمز والنميمية؟، متعامين عن قوله جل وعلا «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم». سورة الحجرات« الآية11».

ولا شك أنهم سمعوا كثيراً في خطب الجمعة والمواعظ العديدة التي تُذاع وتُبث من الإذاعة والتلفزيون، لكن يبدو أن أُلفة سماع الموعظة لا تحرك ساكناً ولا تجدي فتيلاً! ومن هنا أيضا أحسب أن خطبة الجمعة باتت تحتاج إلى تغيير جذري إنقلابي يفضي إلى إعادة الطواويس إياهم إلى حظيرة الإنسانية السوية الخارجة من رحم ديننا الحنيف. أقول ذلك لأن جُل خطب الجمعة يطير مفعولها حالما يخرج المواطن من عتبة المسجد! إلا من رحم ربي، وهم- كما أزعم- قلة!

*إن لوحة فسيفساء المواطنة: حريّة بالمحافظة عليها، وإزالة كل ما يشينها من ظلم وتعسف يستهدف المواطنات والأطفال والعمالة الوافدة، وكل من يسكن وطن.

وإذا كان من مزية لتفجر محنة البدون، فإنها كشفت سوءة السياسة السكانية، وفضحت «خطة» التجنيس، ودللت على حاجة البلد الماسة إلى حسم مسألة البدون، لأن انتحار الشاب السعودي المفجع يجسد فعلاً احتجاجياً تراجيدياً ضد غياب العدل والممارسات الخاطئة اللا إنسانية كلها التي تستهدفهم طوال السنوات الأخيرة! اللهم إلا إذا كان البعض يجد في الانتحار وسيلة للتخلص من معضلة البدون بالتخلص منهم بالانتحار! وقد راعني حقاً أن واقعة الانتحار مرت بدون تعليق، وكأنها حدثت في جزر الواق واق! والحق أنها جرس إنذار يستوجب إصاخة السمع، ومعرفة أسبابه ومبرراته المتصلة موضوعياً بمحنة البدون، وبلية غياب السياسة والخطة السكانيتين! لكن أخشى القول إن حتى خيار الانتحار غير متاح ولا مباح، لكن الانتحار البطئ هو الممكن! وهو المجسد لواقع الحال المحال للإنسان الذي بلا وطن! والشاهد أني لا أجد ختاما لهذه التباريح سوى قصيدة «بلا موطن.. لفريدريش نيتشه» التي يقول فيها:

حملتني الخيول السريعة

بلا ارتباك، ولا وجل...

نحو أبعاد فسيحة

ومن رآني عرفني...

ومن عرفني: السيد بلا وطن

فكن جريئاً

وكن قدامي ولا تخذلني..

أيها النجم البراق

يا حظي!..

فلا يتجرأن عليّ أحد بعد هذا

فيسألني:

أين يوجد موطني...