Ad

المؤسف أن الأغلبية الصامتة مُصرّةٌ على أن تبلع لسانها، ولا تجهر سوى بمشاعر الامتعاض والتململ، وكفى الله الصامتين عناء المشاركة في الخيار الشعبي الحر، غير آبهين بمقولة «إذا تفرقت الغنم قادتها العنز الجرباء».

*ثمة مسألة حرية بالإعلان عنها وإشهارها، سعياً إلى احتوائها وحصارها، وتعرية سوءتها القبيحة! أعني بالتحديد: تلك المشاعر السلبية التي بدأت في الحضور والتنامي تجاه مجلس الأمة السابق واللاحق! فالأغلبية المنعوتة دائماً بأنها صامتة: شرعت في التململ والضيق من بعض ممارسات العديد من النواب الأشاوس الذين يسعون- بقصد أو بدونه- إلى أن يكره المواطنون المجلس ويتمنون زواله! فحيثما حللت أسمع شكاوى جمة بشأن أداء المجلس المتعثر، وعلاقته المأزومة المتوترة مع الحكومة الرشيدة، وتشرذمه المتواتر، وما إلى ذلك من هنّات وكبوات وأخطاء أفضت به إلى إهدار وقته الثمين في سجال حماسي يدغدغ مشاعر أصحاب المصالح الفئوية والجهوية وغيرهما.

حين تم انتخاب مجلس الأمة الذي أعقب التحرير، فرحنا بعودته، رغم خيبة أملنا في العديد من أعضائه، فصبرنا- على مضض- إلى حين انتخاب المجلس الذي سيخلفه، معوّلين على أن العبقريةالانتخابية، الكويتية لا يمكن أن تختار مجلساً مثل مجلس التحرير! لكنها- العبقرية الكويتية- كانت عند حسن الظن فيها فاختارت مجلساً أسوأ من السابق تأسياً بالقول المأثور «شهاب الدين أخبر من أخيه»! وصرنا كلما جاءنا مجلس جديد ترحمنا على سلفه! رب قائل: إن عدم رضانا مردود عليه، لأن الأعضاء يمثلون خيارنا المتكئ على آلية الاقتراع السائدة. وما دام الأمر كذلك، فإن اللوم يقع على كاهلنا! زد على ذلك الآلية الانتخابية يتم اختراقها، والالتفاف عليها، لتفريغ الاقتراع «الحر» من محتواه، مثل شراء الأصوات بصيغة عصيّة على ضبطها متلبسة بفعلة الرشوة! لحاجتها إلى بيّنات وأدلة وشهود عدول تضاهي محاولة الراغب في إثبات جريمة الزنا والعياذ بالله! فالراشي يمارس مهمته بمنأى عن العيون والمراقبين وأمثالهما! والمرتشي: هو الآخر يحب «الستر» فتراه يحرص على استلام الرشوة الكاملة الدسم، وضميره نايم في العسل! من هنا لا يحق لنا ذم المجلس وهجاء أعضائه الذين وصلوا إليه ممتطين صهوة النعرة القبلية، والتعصب المذهبي، والعزوة العائلية، وغيرها، لأنها سيتمخض عنها نواباً ولدوا من رحم «عاداتنا وتقاليدنا» الاجتماعية السائدة، التي «تفرض» على الكثيرين منا اختيار مَن يمثل فينا، ويمثل علينا، ولا يمثلنا البتة، بل يمثل نفسه، ويذود عن مصالحه، وفي أحسن حالاته يمثل «جماعته» ومصالحهم.

* وما ذكرته آنفا معلوم للعامة والخاصة، لكننا نتناساه ساعة الاختيار، ولحظة الاقتراع! الأمر الذي يفسر تعاقب ولادة المجالس النيابية المتشابهة كما التوائم! الأمر الذي أدى إلى شيوع وانتشار مناخ اجتماعي يسوده اليأس والاحباط جراء عدم فعالية مجلس الأمة الذي «اختاره» الشعب عنوة وقسراً، بحكم آلية الانتخاب، وعدم ملائمة الدوائر الانتخابية ومثالبها العديدة النافية للاختيار الحر المجرد من الهوى! والشاهد أن الناخب صار، في السنوات التي أعقبت التحرير، يفضل أن يكون سلبيا ويقبع في البيت مع العيال وأمهم، على قيامه بمهمة الاقتراع الوطنية! ومن هنا تشتت أصوات «الأغلبية الصامتة» لصالح المرشحين الذين «يذمونهم» في المجالس ناسين، ومتناسين أن هذه الفصيلة من المرشحين ما كان لها أن تتربع في قاعة الشيخ «عبدالله السالم» لولا موقفهم السلبي المتمثل في عدم ممارستهم لحق الانتخاب، ومهمة الاقتراع الوطنية، كما أسلفنا، إن ذم الشعب لبعض النواب، وانتقاد ممارساتهم الخاطئة داخل المجلس وخارجه، لم تعد محصورة في نطاق هؤلاء النواب فحسب، بل إنه انسحب على مجلس الأمة ذاته! وهنا مربط الفرس الدال على الموقف الشعبي السلبي تجاه مبدأ وجود السلطة التشريعية برمتها! فلم يعد سراً أن هناك عصبة من النواب والوزراء، وأبناء الأسرة وذوي المصالح الذين يروق لهم الوضع المتردي السائد، يعملون جاهدين على تأزيم الأمور للوصول بها الى حد «كفر» جُل الشعب بالبرلمان والانتخابات وبحضرة الديموقراطية ذاتها!

ومن هنا.. حريٌ بالغيورين العمل على حضور الديموقراطية، فضلا عن إبداء حرصهم على إثرائها بالدراسات والممارسات المفضية إلى تجذرها وثباتها، وتجاوزها لكل العقبات والعراقيل والمطبات التي تعترض طموحاتها المتوسلة مصالح البلاد والعباد. من هنا أيضا تكمن أهمية الإشارة التي أعلنها المنتدون في ديوانية النائب محمد الصقر منذ بضعة أيام، التي حذروا فيها من انتشار المشاعر السلبية الشعبية تجاه مجلس الأمة. ذلك أن إعلان هذه الحقيقة الصادمة المؤسفة تنطوي على شجاعة محمودة، فضلاً عن أنها الخطوة الأولى لعلاج هذه الظاهرة السلبية، والسعي إلى احتوائها بكل السبل الممكنة. ولعلي أزعم بأنها مهمة صعبة، ستُجابَه من قبل «المتمصلحين» من الوضع الأعوج السائد، عبر إمعانهم في الممارسات التي تزيد من جرعة اليأس والإحباط اللذين يشعر بهما جُل الشعب حيال مجلس الأمة!

والمؤسف أن الأغلبية الصامتة مُصرّةٌ على أن تبلع لسانها، ولا تجهر سوى بمشاعر الامتعاض والتململ، وكفى الله الصامتين عناء المشاركة في الخيار الشعبي الحر، غير آبهين بمقولة «إذا تفرقت الغنم قادتها العنز الجرباء»... مكتفين بـ «الحش» في الجرباء وهجاء ممارساتها المتمحورة حول مصالحها! والأنكى من ذلك كله: يكمن في أن المروِّجين- بأعمالهم وأقوالهم- لحالة اليأس من مجلس الأمة يمارسون اللعبة الخسيسة من دون أن يتصدى لهم أحدٌ.. إلا من رحم ربي ووهبه العقل المتيقظ المستنير ليعري سوءة هذه الفصيلة الراغبة في إعادتنا إلى كويت المشيخة الخالية تماماً من القوانين والدستور، والمجالس البرلمانية والبلدية وكل ما تقوم عليه دولة المؤسسات التي وُضعت لبناتها وأساسها بعد استقلال البلاد في عهد سمو الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله وغفر له. وما يعزينا في هذا السياق هو: طمأنة سمو الأمير، حفظه الله للشعب، بأن لا مساس بثوابت دولة المؤسسات، ولا نكوص عنها، فضلاً عن نفي سموه المتكرر المتواتر بأنه لا نية مطلقاً لحل المجلس بصيغة غير دستورية. لكن أصحاب الرِّدة والنكوص لا يُردعون، ولن يكفوا عن إشاعة مشاعر اليأس والاحباط تجاه المجلس والتجربة الديموقراطية.

من هنا نقولها ثالثا: تتبدى ضرورة التصدي الفاعل لتيار الرِدّة ومجابهته بما يليق به.... «بس خلاص»! بالإذن من أخينا «شعبولا إييييييه».