إن موت مغنيّة الآن، وفي هذه الظروف، له علاقة وثيقة جداً بقيام المحكمة الدولية للكشف عن قتلة رفيق الحريري، وذلك بعد أن أحرزت المحكمة خطوات جدية، وأعلن «بان كي مون» الأمين العام للأمم المتحدة، أن المحكمة ستبدأ أعمالها في صيف هذا العام، بعد أن ضاعفت أميركا حصتها في ميزانية هذه المحكمة.- 1 -
يبدو أن اغتيال عماد مغنيّة في دمشق، في الأسبوع الماضي، سيكون الشرارة التي ستشعل منطقة الشرق الأوسط من جديد وتذكرنا بأيام 1956 وأيام 1967 وهي الأيام التي لانزال نعاني حروقها وحرائقها. وهذا الاغتيال سيكون شرارة حريق جديدة، خاصة بعد خطاب حسن نصرالله يوم الخميس الماضي وفي حفل تشييع مغنيّة من أن اغتيال مغنية قد أوجب «تأريخ مرحلة بدء سقوط إسرائيل». وإسرائيل كما هو معروف ليست قرية في العالم العربي، كما أنها ليست عمارة متهاوية يجب تهبيطها، ولكنها دولة معترف بها من قبل %99 من دول العالم، وعضو في الأمم المتحدة، وفي معظم المنظمات الدولية، وإسقاطها ليس بسهولة قتل رئيس وزراء لبنان، أو وزير لبناني، أو رئيس تحرير صحيفة لبنانية، أو القضاء على جماعة من الإرهابيين كما تم في معركة مخيم «نهر البارد».
- 2 -
والملاحظ، والمستهجن، والمستغرب، من قبل كثير من المحللين السياسيين أن هذا الوعد والوعيد الذي أطلقه حسن نصرالله في خطابه يوم الخميس الماضي، كان قراراً فردياً، من دون الرجوع إلى الشعب اللبناني، ومن دون الرجوع إلى المؤسسات الدستورية اللبنانية، مما يعني أن حسن نصرالله، أصبح هو فقط صاحب قرار الحرب والسلام في لبنان، وربما في العالم العربي كذلك، كما كان في يوليو 2006، وألغى بذلك كل المؤسسات الدستورية اللبنانية، ورمى بقرارها –سلباً أو إيجاباً - عُرض الحائط، بدءاً من رئيس الجمهورية إلى رئيس مجلس الوزراء، مروراً برئيس مجلس النواب، وقائد الجيش اللبناني. والملاحظ كذلك، من قبل كثير من المحللين، أن هذا الوعد والوعيد الذي أطلقه حسن نصرالله يوم الخميس الماضي، كان قبل أن تكشف دمشق عن القاتل وتحدد هويته، وهل تمّ القتل فعلاً أم لم يتم؟
فقد سارع نصرالله إلى اتهام إسرائيل – التي ليست مستبعدة من عملية القتل هذه- كما سارع إلى اتهام أميركا من طرف خفي -وهي أيضاً غير مستبعدة– ولكن لنعلم أن هناك غير إسرائيل وغير أميركا من لهم مصلحة في قتل مغنية، ويقال إن هناك أربعين دولة أخرى عدا أميركا وإسرائيل تبحث عن مغنيّة، طوال السنوات الماضية، لتثأر منه.
فهل مازالت خطب حسن نصرالله ووعوده ووعيده تحتمل الصدق كل الصدق، وتحتمل الجديّة كل الجديّة؟
- 3 -
لقد سبق لحسن نصرالله أن وعد وعوداً كثيرة، وحذّر محاذير كثيرة، ولكنها لم تكن صادقة وموفية للوعد، فكلنا يذكر تهديده للجيش اللبناني في معركة مخيم «نهر البارد» وخطابه في 24/6/2007، الذي أعلن فيه أن اقتحام مخيم نهر البارد حيث كان يختبئ إرهابيو «فتح الإسلام» خط أحمر. ورغم هذا دخل الجيش اللبناني المخيم، ولم يغادره إلا بعد أن قضى على جماعة «فتح الإسلام»، وترك المخيم بعد ثلاثة أشهر من المعارك الطاحنة، قاعاً صفصفاً.
- 4 -
ما قاله حسن نصرالله خلال خطابه يوم الخميس 14/2/2008، هو بمنزلة إعلان رسمي للحرب على إسرائيل، وسوف تستعمل إسرائيل من خلال ماكينتها الإعلامية داخل إسرائيل ومن خلال اللوبي الصهيوني في أميركا، كل أسلحتها المعروفة لكي تلاحق عناصر «حزب الله»، وكل من يمدَّ يد العون لهذا الحزب على قاعدة «صديق عدوي عدوي»، والصديق هنا -وكما هو معروف- سورية وإيران. وسيكون لبنان هو الضحية، وهو الفداء في هذه المعركة التي ستشعل الحرائق من جديد في الشرق الأوسط.
فهل انتظر حسن نصرالله هذه اللحظة التاريخية (موت مغنيّة) وهذا الحادث لكي يعلنها حرباً مفتوحة على إسرائيل، والتي لن يتوقف فيها إلا إذا تم محو إسرائيل من خريطة العالم، كما سبق وهدد أحمدي نجاد، وكما قال حسن نصرالله في خطابه الشهير يوم الخميس الماضي، من أنه الآن «وجب تأريخ مرحلة بدء سقوط إسرائيل»؟
فهذا كلام مسؤول عنه حسن نصرالله خصوصاً أمام الجماهير الدينية الغفيرة التي هتفت وصفّقت له بعد حرب يوليو 2006، وبعد أن أعلن «النصر الإلهي» المقدس، الذي افتعل الأزمة الوزارية اللبنانية التي مازالت مستمرة إلى الآن، وأغلق مجلس النواب، لكي لا يتيح أي فرصة لأي مسؤول لبناني لفتح ملف حرب يوليو 2006 ومحاسبة «حزب الله»، إذا كان ذلك ممكناً، وقد كان. ونجح حسن نصرالله في ذلك. فقد نسي الشعب اللبناني -من كثرة مآسيه– خسائر حرب يوليو 2006، كما نسي العرب كذلك. ومازال جزء كبير من لبنان مهدّماً حتى الآن، ومازالت هناك آلاف العائلات المشردة، ومازال رقم 15 مليار دولار كخسارة لبنان نتيجة لهذه الحرب يلتمع أحمر في عيون اللبنانيين.
- 5 -
في تقديري الشخصي أن موت مغنيّة الآن، وفي هذه الظروف، له علاقة وثيقة جداً بقيام المحكمة الدولية للكشف عن قتلة رفيق الحريري، وذلك بعد أن أحرزت المحكمة خطوات جدية، وأعلن «بان كي مون» الأمين العام للأمم المتحدة، أن المحكمة ستبدأ أعمالها في صيف هذا العام، بعد أن ضاعفت أميركا حصتها «من 7 إلى 14 مليون دولار» في ميزانية هذه المحكمة، ودفعت السعودية 12 مليون دولار. ولا شك أن مغنيّة سيكون شاهداً رئيساً في هذه المحكمة، وسوف يكشف عن أسرار كثيرة وخطيرة، زيادة على ذلك سيكون معرضاً للخطف والقتل أثناء ظهوره أمام المحكمة. كذلك، فإن موت مغنيّة، وإعلان حسن نصرالله وجوب بدء مرحلة سقوط إسرائيل، سيكون سبباً رئيساً وراء متابعة احتفاظ «حزب الله» بسلاحه الذي يُطلق عليه بـ«السلاح المقدس» المؤهل لتحقيق «النصر الإلهي» الجديد اليوم وهو ليس تحرير ما تبقى من الأراضي اللبنانية (مزارع شبعا)، ولكن تحرير العالم العربي كله، بإزالة إسرائيل من الوجود، كما نادى أحمدي نجاد عدة مرات من طهران. وهو ما يعني أن سلاح «حزب الله» باقٍ، باقٍ، باق، كما يردد دائماً حسن نصرالله. وبذا تتضح لنا بعض أسباب قتل «الثعلب» الآن، والذي مازال لغزاً حتى الآن عند الكثيرين.
* كاتب أردني