مراسيم الضرورة، هي مراسيم لها قوة القانون تصدرها السلطة التنفيذية، في غياب السلطة التشريعية، فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة بعد انتهاء الفصل التشريعي أو في فترة حله، لتسد فراغاً تشريعياً عندما تدعو الضرورة إلى تدخل تشريعي لتنظيم موضوع من الموضوعات التي لا تنظم بأداة أدنى من القانون.طالعتنا الصحف اليومية في الأيام الأخيرة بعزم الحكومة إصدار مرسوم ضرورة يحكم ويقيد التجمعات والحريات العامة التي كفلها الدستور، وإن الحكومة حينما نظرت في القانون ووضعته ضمن الأولويات في مراسيم الضرورة فقد كان ذلك بعد توافر ظواهر سلبية وأحداث لا تحفظ النظام العام ولفرض هيبة الدولة ورجال الأمن عند تنظيم أي تجمعات، وحذرت الحكومة من أنه في حال أبطلت المحكمة الدستورية القانون مرة أخرى أو رفضه المجلس بعد انتخابه فستدخل البلاد في فراغ تشريعي على هذا الصعيد.
كما تردد الحديث عن دعوة يرددها البعض بمطالبة الحكومة بإصدار مرسوم بقانون بتعديل الدوائر الانتخابية الخمس لتصبح الكويت دائرة انتخابية واحدة، أو العودة إلى الدوائر الخمس وعشرين.
وهو أمر يحتاج إلى وقفة نضع فيها النقاط على الحروف بالنسبة إلى الأمر كله.
مراسيم الضرورة... ماهيتها:
وهي مراسيم لها قوة القانون تصدرها السلطة التنفيذية، في غياب السلطة التشريعية، فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة بعد انتهاء الفصل التشريعي أو في فترة حله، لتسد فراغاً تشريعياً عندما تدعو الضرورة إلى تدخل تشريعي لتنظيم موضوع من الموضوعات التي لا تنظم بأداة أدنى من القانون، وهي الضرورة التي توجب على السلطة التنفيذية وإعمالاً لأحكام المادة 71 من الدستور، اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، وهي مراسيم يضفي عليها الدستور قوة القانون، ولا تكون هذه السلطة مقيدة في إصدارها إلا بقيدين أساسيين، بالإضافة إلى قيام حالة الضرورة، هي عدم مخالفة أحكام الدستور أو التقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية.
ويوجب الدستور على السلطة التنفيذية عرض هذه المراسيم بقوانين على مجلس الأمة، خلال خمسة عشر يوماً، إذا كان المجلس قائماً، وفي أول اجتماع له في حالة الحل.
ويرتب النص الدستوري على عدم عرضها في الميعاد المتقدم أو رفض المجلس لها بعد عرضها عليه عرضاً صحيحاً، أن يزول بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون.
لذلك يبدو غريباً، ما نسب إلى الحكومة، والذي أرجو ألا يكون صحيحاً، من تحذير بأنه إذا أبطلت المحكمة الدستورية مرسوم قانون التجمعات مرة أخرى، أو رفضه المجلس بعد انتخابه فستدخل البلاد في فراغ تشريعي على هذا الصعيد، وهو قول غير دقيق ذلك أن رفض المجلس إقرار المرسوم بقانون يعيد الحال إلى ما كان عليه قانون التجمعات في ظل حكم المحكمة الدستورية الذي أبطل بعض نصوص هذا القانون، بقضائه بعدم دستوريتها.
ونستعرض فيما يلي القيدين اللذين قيد بهما الدستور إصدار المراسيم بقوانين وهما:
احترام أحكام الدستور:
وهو قيد طبيعي في ظل مبدأ تدرج القواعد القانونية الذي يقوم عليه نظام الدولة القانونية ومبدأ المشروعية، حيث ترتبط القواعد التشريعية التي يتكون منها النظام القانوني للدولة ببعضها ارتباطاً تسلسلياً، وأنها ليست جميعاً في مرتبة واحدة من حيث القيمة والقوة القانونية، بل تتدرج فيما بينها بما يجعل بعضها أسمى مرتبة من بعضها الآخر، وحيث يقف الدستور على قمة هذا التدرج لتعلو أحكامه على كل القواعد التشريعية، فتتقيد السلطة التشريعية فيما تصدره من تشريعات بأحكام الدستور، ويأتي دور المحكمة الدستورية -الذي عهد به الدستور إليها- وهو التحقق من كفالة سيادة الدستور على كل ما أصدرته السلطة التشريعية من قوانين وما أصدرته السلطة التنفيذية من مراسيم بقوانين، احتراماً لسمو الدستور.
عدم مخالفة التقديرات المالية الواردة بالميزانية:
ومعنى هذا القيد، هو الحق الدستوري المقرر للبرلمانات في الرقابة المالية على أعمال السلطة التنفيذية من خلال عرض الميزانية على البرلمان لفحصها ومناقشة بنودها وإقرارها، وهو أول وأقدم الحقوق التي انتزعتها برلمانات العالم في كفاحها الطويل من أجل إرساء الدور الرقابي للبرلمان، حيث يخشى إذا أبيح للسلطة التنفيذية، بموجب هذه الرخصة الاستثنائية، أن تصدر مراسيم بقوانين تتضمن فتح اعتمادات إضافية، تقوم بإنفاقها في فترة غياب البرلمان، فتضعه أمام الأمر الواقع، فلا يجد البرلمان أمامه مفراً من إقرارها، مثلما يقوم بدوره في إقرار الحساب الختامي.
المساءلة السياسية:
وإن كان ذلك لا يمنع البرلمان من المساءلة السياسية للحكومة لمخالفة المراسيم بقوانين أحكام الدستور. إلا أنه يقوم مانع دستوري من هذه المساءلة، إذا تولت حكومة جديدة الحكم، في بدء الفصل التشريعي، ولم تكن هي الحكومة التي خالفت أحكام الدستور.
لذلك يبدو غريباً بل شديد الغرابة أن يلوح عضو سابق بمجلس الأمة بالتهديد باستجواب الحكومة القادمة، حتى لو لم تكن الحكومة الحالية، في حال قيامها بإزالة الديوانيات المخالفة، وهي غرابة مزدوجة، إذ لا تسأل حكومة عن أعمال حكومة سابقة، ولا يسأل وزير عن أعمال وزير سابق، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الاستجواب لا يجوز أن يقام على أساس احترام الدولة للقانون، بل على أساس عدم احترامها للقانون الذي أقره البرلمان، والذي لا يجوز حتى للبرلمان أن يخالفه في التطبيق، وهو المبدأ الذي يعبر عنه الفقه الفرنسي بمقولة شهيرة «SOUFRE LE LOI QUE VOUS FAITES TOI- MEM» بمعنى احترم القانون الذي وضعته بنفسك.
وإلى مقال قادم نستكمل فيه ما أثير على صفحات الصحف، بالنسبة إلى تعديل قانون التجمعات وتعديل قانون الانتخاب.