Ad

الكويتيون، في أغلبهم، أثبتوا أنهم لايزالون قادرين على التعايش بسلام، بالرغم من كل الظروف، وهذا هو رأس مالهم الأهم والأكبر لاستمرار بقائهم. فالوفرة الاقتصادية غير مضمونة الاستمرار، وعوامل الرخاء وبحبوحة العيش كلها قد تزول، ولكن التعايش وإدراكهم لأهمية هذا الشيء هو الرصيد المتبقي حين يزول الباقي كله، وتصبح الحياة أصعب كما تشير العلامات.

في سياق أحداث الأيام «المتكهربة» الماضية، بما حفلت به من توتر وانقباض و«مفارقات» غريبة و«تكشفات» للعديد من الأشياء التي اتضح أنها كانت مستترة في صدور بعض أبناء هذا المجتمع تتحين الانفلات من عقالها، و«اكتشافات» لضحالة وسطحية تفكير بعض «الرموز» و«البارزين» ممن خُدعنا بمسمياتهم وألقابهم طوال الفترة الماضية، تلك الأحداث التي آمل أنها قد دخلت الآن مع اطلاق سراح المحتجزين إلى طور التهدئة والتعامل بحكمة مع الموضوع، كان من الممكن لمَن استطاع التخلص من سيطرة إثارة الأحداث الجزئية، والابتعاد خطوات عدة إلى الوراء للنظر واستشراف الصورة الكلية، أن يلحظ الخطوط العامة لما يجري.

خطوط عامة كثيرة تكشفت أمامنا، لكنني سأكتفي باثنين. الأول، أن الكويتيين لايزالون شعباً مسالماً متعايشاً مع بعضه بعضاً بأطيافه المختلفة، بالرغم من المحاولات التي جرت لاختطافه واستقطابه على يد بعضهم، ودفعه نحو التصادم. وأنهم ظلوا بالرغم من توتر الأحداث واستشعار بعض الشيعة على وجه الخصوص بأن هناك موجة استهداف حكومية وشعبية لهم كطائفة، بغض النظر عن صحة هذا من خطئه، أقول ظلوا جميعاً بما فيهم هؤلاء الشيعة مطمئنين إلى حد كبير ويشعرون بأن الأمور ستبقى تحت السيطرة مهما تأزمت في ظاهرها.

هذا الشعور بالاطمئنان، أنتج خلال الأزمة الكثير من النكت والقفشات التي كان يصلني بعضها «بالمسجات» فأسارع بإعادة إرسالها علّها تساعد على ترطيب جفاف واحتقان الجو السياسي. صديق أرسل لي ساخراً يقول بما أن جميع الاعتقالات قد حصلت على الدائري الرابع، فأنصح باستخدام الدائري الخامس!

ما أريد الوصول إليه هنا، أن الكويتيين في غالبهم، قد أثبتوا أنهم لايزالون قادرين على التعايش بسلام، بالرغم من كل الظروف، وهذا هو رأس مالهم الأهم والأكبر لاستمرار بقائهم. فالوفرة الاقتصادية غير مضمونة الاستمرار، وعوامل الرخاء وبحبوحة العيش كلها قد تزول، ولكن التعايش وإدراكهم لأهمية هذا الشيء هو الرصيد المتبقي حين يزول الباقي كله، وتصبح الحياة أصعب كما تشير العلامات.

الخط الثاني الذي تبين لي هو أن حراكنا السياسي لا يزال يقوم على نمط العمل الفردي وعلى المصلحة الذاتية في شكله الغالب. القوى السياسية، بما فيها الجماعات التي كنا نظن أنها قد وصلت إلى مرحلة متقدمة على الصعيد التنظيمي والتحرك كوحدة واحدة لا كأفراد مجتمعين، تفاعلت مع الأزمة تفاعلاً متثاقلاً إلى حد كبير. بعضها اكتفى بتصريح مقتضب متأخر، وبعضها التحف بالصمت. الأصوات التي تصاعدت شيئاً فشيئاً كانت هي الأصوات الفردية من الجهات المختلفة، كل بحسب قناعته وبحسب مصلحته، ولكن العمل السياسي المؤسساتي لقوانا السياسية على مختلف توجهاتها، انحسر بوضوح وأحجم إلى حد كبير عن المواجهة.

يمكن تفسير الأمر بطرق مختلفة. قد يكون بأن بعضهم قد حسبها انتخابياً، فوجد أنه سيخسر على هذا الصعيد، فآثر البقاء على الجانب. وقد يكون التفسير بأن هناك مَن وجدها فرصة لضرب التحالف الإسلامي الوطني لسبب ما. وقد يكون التفسير بأن بعضهم الآخر لم يدرك خطورة المسألة وجديتها، وبأن الأمر أكبر من مجرد واقعة التأبين التي استخدمت كشماعة، وأنه إن كان الدور قد بدأ بالتحالف الإسلامي الوطني، فإنه لا أحد في «عصمة» من الوقوع في الفخ نفسه مع قادم الأيام، سواء أكان شيعياً أم سنياً.

إن عدم الانتصار للحقوق الأساسية لمن جرى اتهامهم على خلفية هذه الواقعة، وعدم التصدي لفكرة جر القضية خارج إطار «التأبين» وفتح ملف الولاء للخارج وقصة «حزب الله الكويتي» هكذا فجأة ومن دون أي مقدمات، أقول إن هذا في حد ذاته قد كشف لنا أن قوانا السياسية بشكلها الحالي لا تزال بعيدة كثيراً عن سن النضوج السياسي الذي يمكنها من المساهمة في إدارة البلد على الصعيد الاستراتيجي.

نعم، قد يكون أداؤها مقنعاً في الرخاء، وخصوصاً في فترات الرخاء والانبساط الانتخابي وفترات الصفقات الحكومية، ولكنها سرعان ما تقع في «حيص بيص» عند مواجهة الأزمات المجتمعية العامة والشائكة، لتنكص على أعقابها تحت وطأة وثقل الانتماء الفردي والحسابات الشخصية!